يذكر لجورج تينت المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية رفضه للضغوط التي كانت تطالب بإطلاق جونثان بولارد؛ الجاسوس الإسرائيلي في وزارة البحرية الأميركية الذي كلف الإدارة الأميركية أكثر من بليون دولار لمعالجة الأسرار التي كشفها. مع أن كل رئيس وزراء إسرائيلي يضع على رأس جدول أعماله عند لقاء أي رئيس أميركي جديد إطلاق بولارد. اليوم “لم يعد بولارد وحيدا” بحسب ما عنونت معاريف.
ما يهم في قضية بن عامي كديش الجاسوس الجديد، الذي لم تتضح تفاصيل قضيته بعد، أمران. الأول، كيف ننظر للعلاقات الأميركية الإسرائيلية؟ والثاني، كيف ننظر للعلاقات الأردنية- الإسرائيلية؟ فالقصة قد تصحح إعاقة في الفكر العربي والإسلامي تجعله يعتقد بخرافة الهيمنة الصهينينة على العالم بعامة وعلى أميركا بخاصة. وأن الأميركيين ماهم إلا عملاء ينفذون ما يفرضه سادة بني صهيون. فالمسألة أعقد من ذلك، ثمة نفوذ صهوني في السياسة والمال والإعلام .. في أميركا وغيرها لكنه لا يرقى إلى الهيمنة المطلقة. وقد تصحح إجابة السؤال الثاني إعاقة لا تقل خطورة، فتوقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لا يعني أن الإسرائيليين لم يعودوا خطرا على الأمن القومي، وأنهم لا يتجسسون علينا. فإن تجسسوا على اولياء نعمتهم فلن يوفروا بلدا لا تزال تنظر له بعين التوسع ولا تزال الأكثرية الساحقة فيه تراهم أعداء.
عنونت يديعوت أحرونوت “العلاقات مع الولايات المتحدة قد تتضرر”. وتصف الصحيفة الوضع بأنه “حرج، تشوش وتخوف”. وتوضح: “الحرج بسبب الكشف غير المتوقع والضرر الذي سيلحق بصورة اسرائيل؛ التشوش بالنسبة لسبل الرد السليمة؛ وفوق كل ذلك التخوف من تأثير القضية على العلاقات مع الولايات المتحدة”.
وتثير الصحيفة تساؤلا أقرب إلى نظرية المؤامرة: “اذا كان توقيت القضية يرمي الى المس بزيارة بوش: “لزيارة يفترض أن تكون حميمة واحتفالية. فهل لنشر تفاصيل القضية صلة بتوقيت زيارة بوش الى البلاد؟ من الصعب المعرفة. ولكن بالتأكيد لن يكون هذا مريحا للطرفين”.
ولا يقل “مؤامرة” ربط القضية في الانتخابات الأميركية وتقول الصحيفة: ” كفيل بان يكون لها مضاعفات على الانتخابات للرئاسة الامريكية، التي ستجري في تشرين الثاني القادم. وحسب مصادر في اسرائيل فالقضية كفيلة بان تحرج يهود الولايات المتحدة، الذين يغازلهم المرشحون المختلفون”.
وقالت المحافل انه “ان يكون المرء يهوديا في الولايات المتحدة في ظل قضية تجسس كهذه ليس امرا سهلا، لا مريحا ولا عاطفيا. العناصر غير العاطفية لاسرائيل ستطرح من جديد مسألة اشكالية الولاء المزدوج ليهود الولايات المتحدة”.
وفي الادارة الاميركية عقبوا بغضب على القضية. فقد قال امس الناطق بلسان الخارجية الاميركية ان “هذا ليس سلوكا نتوقعه من دولة هي صديقة وحليفة. نحن نتعاطى بعدم صبر مطلق تجاه مثل هذه الحالات”.
لا يجرؤ أحد في الأردن على القول إن دولة العدو “صديقة وحليفة”، حتى المطبعون والموسوسون به يتنصلون من علاقاتهم السابقة وصاروا يفضلونها سرية، وربما في سياق “التجسس”. وعلينا أن نفتح أعيننا جيدا، فالإسرائيليون لن يجتاحوا الأردن، ولسنا كيانا هشا، لكنهم يسعون أن يجعلوه كذلك. وهم قادرون على تجنيد عملاء تماما كما قدروا على تجنيدهم في فلسطين ولبنان ومصر وسورية (هل نسيت قضية كوهين؟).
لنتذكر أن كوهين كان رجل أعمال في سورية، في زمان لم تكن فيه أبواب الاستثمار الخارجي قد فتحت على مصاريعها. وباستثماراته تمكن من اختراق طبقة السياسيين الثوريين. بعد بن عامي يحسن أن ندقق إن كان بيننا كوهين جديد. وهذه ليست دعوة لإغلاق باب الاستثمارت الخارجية. ولا نشرا لثقافة المؤامرة.
هل تريد التعليق؟