كان الظهور الأول للصديق الدكتور أحمد موفق زيدان على الإخبارية السورية، بصفته المستشار الإعلامي للرئيس أحمد الشرع صعبا من حيث التوقيت والموضوع، وقبلها واجه الزميل _وهو صحفي مخضرم ومعارض عتيق للنظام السوري الساقط _ حملة تشويه شعواء عقب تعيينه، إلا أن الحلقة قدمته رجل دولة يتحدث بمسؤولية ورصانة ووضوح في ملف شائك، وفي أصعب الأوقات التي واجهتها الحكومة السورية. قال إن أهل السويداء أبناؤنا، والحكومة لا تحارب أبناءها، مراهنا على النخب في صناعة أجواء حوار بعد أن تبرد النفوس.
أكتب من باب الأخوة والصداقة، مهنّئا الدكتور أحمد بموقعه الجديد، سائلا الله له التوفيق، وهذه الصداقه تعود إلى نحو 30 عاما، عندما كان مديرا لمكتب صحيفة الحياة في إسلام أباد، وكنت مديرا لمكتبها في عمان، حيث زارني في إجازته التي كان يقضيها عند أنسبائه في عمان. جمعتنا به بداية العمل المهني في واحدة من أفضل التجارب الصحفية العربية، في صحيفة الحياة، التي كان يملكها الأمير خالد بن سلطان، ضمت الحياة صحفيين من مشارب متنوعة ومختلفة، كان فيها إسلاميون ويساريون وقوميون وليبراليون.. لم تكن مغلقة في وجه أحد بناء على خلفيته الفكرية.
لم أتفق مع أحمد دائما، اختلفنا كثيرا في الفكر والسياسة والمهنة، من دون أن يفسد ذلك ودّنا. واليوم وهو في السلطة سنختلف كما سنتفق، والانتقال من العمل الصحفي إلى العمل السياسي الرسمي تحد صعب، أسأل الله أن ينجح به.
لم يكن أحمد زيدان يغطي عروض الأزياء في أفغانستان وباكستان، تخصّص في الجهاد الأفغاني وطالبان والقاعدة. وكانت أمنية كل صحفي في العالم أن يقابل أسامة بن لادن والملا عمر. وكل الصحفيين الذين قابلوا بن لادن ترقوا في مؤسساتهم الأميركية والغربية وألفوا كتبا وصاروا مستشارين وخبراء. عندما يقابل صحفي عربي بن لادن يصبح متهما! عمل أحمد مع الشرق الأوسط السعودية ومع تلفزيون أبو ظبي والحياة واستقر في قناة الجزيرة. ولم يكتف أحمد بعمله الصحفي، أكمل دراساته العليا، وألف مجموعة كتب أبرزها “صيف أفغانستان الطويل” الذي يعد من أفضل المراجع في فهم البلد.
ألّف كتابه “بن لادن بلا قناع” وكنا لا نزال زملاء في “الحياة”، ولم تتهم وقتها الصحيفة، ولا هو بأنهما مع القاعدة. بعدها أصدر كتابه “عودة الرايات السود” الذي تنبأ فيه بانتصار طالبان. كان ذلك ضربا من السخرية بنظرنا على عكس من خبر أفغانستان ميدانيا وقرأ تاريخها جيدا، كانت هزيمة أميركا مسألة وقت، وراهن أنها ستتغير وستحكم، وصدقت توقعاته.
منذ عرفته ظل يحمل الهم السوري وكأنه خرج لتوّه من إدلب وهو ابن ١٧ عاما، يتابع ما يصدر عن سوريا من كتب ودراسات وأبحاث، وتمتع بجلد ومثابرة في تبني القضية السورية، حفزني للكتابة عن سوريا في وقت لم يكن يكتب عنها أحد. لا أنسى تقرير المفقودين السوريين الذي أرسله لي وكتبت عنه مقالا في صحيفة الغد استفز السفارة السورية، أطلق موقعا إلكترونيا للمعارضة السورية وسعى لتجميعها على اختلاف مشاربها وصولا للثورة السورية .
«لم أتفق مع أحمد دائماً، اختلفنا كثيراً في الفكر والسياسة والمهنة، من دون أن يفسد ذلك ودّنا. واليوم وهو في السلطة سنختلف كما سنتفق، والانتقال من العمل الصحفي إلى العمل السياسي الرسمي تحدٍ صعب.»
عندما انطلقت الثورة السورية انخرط أحمد صحفيا وسياسيا دعما لها وغطى ميدانيا إلى درجة أنه وصل إلى دمشق واستُهدف من النظام وحاول اغتياله، كما كشفت الوثائق التي حصلت عليها المعارضة بعد تحرير إدلب، في السنوات الأخيرة ابتعد عن العمل الصحفي المباشر وانشغل بالعمل الأكاديمي، عن إدلب كان يتحدث بلغة متفائلة نستغربها، وكان يراها بوابة فتح دمشق، وراهن بوضوح على “الفاتح أبو محمد الجولاني” الذي سيكون الرئيس أحمد الشرع، معتبرا الهيئة التيار الوحيد القادر على إسقاط بشار الأسد، وأن “الجولاني”، رجل دولة تماما كما هو رجل ثورة، وأنه قطع المسافة بينهما بسرعة.
تحتاج سوريا لكل أبنائها من كل التيارات ومن الخبرات كافة. ومن يعمل مع الدولة السورية اليوم يقدّم تضحية كبيرة، لقلة المغريات وجسامة التحديات، ولعل أبرزها صعوبة المزاج السوري والحساسيات العالية طائفيا وسياسيا، والعبث به من خلال مصانع ” الذباب الإلكتروني”. لقد ثبت أن الحملات المصنوعة الموجهة لا تترك شأنا سوريا، بما فيه تعيين الدكتور أحمد زيدان مستشارا للرئيس، والحملات هذه تقف وراءها دول وجهات بإمكانات مالية وتقنية عالية.
عندما تسربت أخبار تعيينه مستشارا هاجمته أصناف الذباب على اختلافها، الصهيوني تذكر في مواقفه المناصرة لفلسطين وغزة وحماس، الإيراني يذكر في مواقفه من إيران وحزب الله وجماعة الثورة المضادة والحلف الإبراهيمي يذكرون بمواقفه من الربيع العربي.. كلها مرفقة بصورته مع أسامة بن لادن. ما نسيه الذباب أن الرئيس السوري الذي احتضنه العرب ودعمه العالم، بايع بن لادن مقاتلا في صفوف القاعدة في العراق، وكان زعيم جبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا. والواقع أسهم أحمد بما له من مكانة وتاريخ وخبرة في إقناع النصرة بالانفصال عن القاعدة والتحول إلى حركة وطنية بمرجعية إسلامية.
لا يستحق الذباب الرد، ولكن أحب أن أوضح للحريصين على سوريا ممن التبس عليهم الأمر، ويشوّش عليهم الذباب، إن أحمد بطانة صالحة، تمتلك الصدق والإخلاص والخبرة التي تقدمها لصانع القرار، وقبل عمله الاستشاري الرسمي ظل قريبا ومستشارا بشكل غير رسمي، وهو لم يأت من ساحات القتال في أفغانستان بل وراءه خبرة عريقة في كبريات المؤسسات الصحفية العربية وشبكة علاقات واسعة بالصحفيين العالميين الذين يغطون المنطقة.
يوما كنت أعمل فيلما وثائقيا عن أبو مصعب الزرقاوي، وبعد وصولي إسلام أباد ساعدني أحمد في إنجاز الفيلم، وأخبرني برغبة الجماعة الإسلامية الباكستانية في الاستماع لمحاضرة لي عن العراق في مقرها في لاهور، قلت له إني أحب السفر بالسيارة للتعرف إلى البلد وسمعة الطيران الباكستاني لا تشجع على السفر معهم. نفى بشدة وقال لي إن الطيارين كلهم طيارون مقاتلون متقاعدون محترفون.. قبل الهبوط تحققت توقعاتي وحصل عطل حال دون الهبوط، وبدأ الطيار يحوم لاستهلاك الوقود قبل الهبوط الاضطراري. قرأنا كل الأدعية والأذكار وما نحفظ والطائرة تحوم..
“نظرت إليه ساخرا عجبك ؟ غطيت في العراق ونجوت ونهايتي تكون في حادث طائرة؟ على الأقل أنا يجدون شيئا من جثتي ويضعونها بتابوت يلفّونه بعلم أردني، وأجد استقبالا لائقا في المطار، أنت جواز سفر ما عندك، وبشار الأسد سيقول إرهابي وخلصنا منه ولن يجدوا علما يلفوك به..” ضحكنا وهبطت الطائرة بسلام. لم نكن وقتها نتخيل أن أحمد سيكون مستشارا للرئيس وأن بشار الأسد سيهرب إلى موسكو على متن طائرة روسية ليست أحسن حالا من طائرتنا ولن يفرح بجواز سفر وتذكرة عودة.
هل تريد التعليق؟