مقالات

كيف يستخدم بشار دولة العراق الإسلامية؟

لا أشكك في نوايا الشباب الذين يعبرون القارات للمشاركة في القتال إلى جانب “دولة العراق والشام الإسلامية” (داعش). فمنهم من كان يهنأ بالعيش في دول غربية، أو في الخليج أو تونس وغيرها، لكنه اختار أن يبذل روحه رخيصة في سبيل إقامة دولة الإسلام التي تجسد وحدة العراق والشام، وتقيم الشريعة وتبسط العدل، وقبل ذلك تنتقم ممن لم يتورع عن جريمة بحق الشعب الأعزل، بما فيها ضربه بالسلاح الكمياوي.
مقابل هذا الإقدام والفدائية، تبين أن المجتمع الدولي مشغول بالسلاح لا بالمجرم الذي استخدمه، وهو الأمر غير المسبوق في علم الجريمة، حتى على المستوى الفردي. الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي استعد للحرب هو وحلفاؤه، أجلها بعد تلقي العرض الروسي المغري؛ المهم بالنسبة له أمن إسرائيل لا السوريون. ملايين لهم ثارات مع النظام السوري، والروسي، والإيراني، وجد آلاف منهم منفذا إلى سورية. كل من ذاق عذابات الشيشان وأفغانستان، يطلب ثأره من روسيا في سورية. وأمير دولة العراق الإسلامية ومن والاه يطلقون ثأرهم من إيران فيها. وهم وغيرهم أيضا يشعرون أنهم أولياء دم أكثر من مئة ألف سوري تخلى عنهم العالم.
بالنتيجة، معطيات كهذه لا تُنتج إلا “داعش”؛ فتطرف النظام وعجز المجتمع الدولي يقدمان الأكثر تطرفا في المعارضة السورية، وأبو بكر البغدادي جاهر بخلافه مع أيمن الظواهري الذي يعد متشددا قياسا بأسامة بن لادن. لم يجد الحوار بين الجولاني والبغدادي، ولا بينهما وبين الظواهري. والبغدادي على ثقة بأنه سيد الموقف على الأرض، كيف لا وقد تمكن من تفجير 500 سيارة مفخخة في العراق خلال ستة أشهر، وهو الذي اجتاح مئات من مقاتليه، مسلحين بالسلاح المتوسط والخفيف، القرى العلوية واقتربوا من القرداحة.
لا يدرك البغدادي أنه قدم طوق النجاة لبشار الأسد. ولو يتابع الإعلام السوري الرسمي ومن والاه، كما الإعلام الإيراني والروسي، للاحظ أنهم يحتفون بتنظيمه وبأخباره وكأنه “الجيش العربي السوري”، وأقنعوا المجتمع الدولي أنهم سيترحمون على “القاعدة” إن انهار النظام الذي سترثه “داعش”. وبالنتيجة، تقف إسرائيل تتفرج ولا تُمس حدودها بطلقة من الطرفين.
المفارقة أن تهديد “داعش” لتركيا بالمفخخات لأنها أغلقت معبر باب الهوى، خدم إسرائيل وإيران اللتين تتربصان بحكومة رجب طيب أردوغان. وبعيدا عن أسرار المؤامرة عليها، يمكن ملاحظة حفاوة الإعلامين الإسرائيلي والإيراني بالمظاهرات في ميدان تقسيم باسطنبول، وستفرحان أكثر لو نفذت “داعش” وعيدها ونقلت المفخخات إلى تركيا. وفضلا عن التهديد والأكاذيب، فإن واقع “داعش” نفّر أكثرية السوريين، وهم باتوا فعلا بين فكي الرحى.
ليس ذنب الشعب السوري أن بلاده أصبحت مهوى أفئدة الغاضبين، سواء تطرفوا أم لا؛ إنه ذنب النظام، كما ذنب المجتمع الدولي الذي وقف يتفرج على المحرقة. ولا يستطيع الشعب السوري أن يخوض معركة مزدوجة ضد تطرف النظام وتطرف المعارضة.
على أنصار الشعب السوري، وخصوصا العلماء، أن ينزلوا على الأرض ويواجهوا الحقائق؛ فإن صحت الاتهامات التي توجه لـ”داعش”، أقاموا عليها الحجة ونبذوها، وإن كانت كذبا وضحوا الصورة. لكن المؤكد أن بشار مستفيد منها بجميع الأحوال، علمت أم لم تعلم.

هل تريد التعليق؟