مقالات

مسلسل قطر والإخوان في الدعاية الإسرائيلية

يشكل مقال الكاتب الاسرائيلي الشهير بن كسبيت في صحيفة معاريف اليوم حلقة في سلسلة مترابطة تتجاوز الإعلام الإسرائيلي إلى الإعلام العالمي الذي تؤثر فيه اللوبيات الصهيونية. يتناول المقال الطويل عن الحرب في غرة موقف قطر بالتحريض، من خلال عنوان فرعي

:دولة تُصنّف ”داعمة للإرهاب”، وتقود التحريض ضد إسرائيل عالميًا، وتستثمر مبالغ طائلة في بناء آلة حرب حماس، التي يلجأ قادتها إلى أراضيها ويقيمون في قصورها بشكل دائم، وتدفع عشرات الآلاف من الدولارات لأقرب مستشاري رئيس الوزراء في أوقات الحرب. ويتلقى الأشخاص المطلعون على أدق أسرار المؤسسة الأمنية دفعات منتظمة من قطر، بينما تشن حربًا على منظمة تدعمها قطر منذ سنوات، وتنتمي إلى نفس التيار الأيديولوجي المتطرف الذي تنتمي إليه قطر (“الإخوان المسلمون”)، وهو أمرٌ يكاد يكون مُسلّمًا به لدى الجمهور الإسرائيلي.”ومن المتوقع أن يواجه المؤرخون وعلماء الآثار في المستقبل تحديات إضافية. وهناك قضية أخرى لن يتمكنوا من تفسيرها لأنفسهم وهي القضية القطرية. سوف يراجعون النصوص والاقتباسات والبيانات ولن يفهموا كيف يمكن لدولة تم تعريفها من قبل الجميع تقريبًا، بما في ذلك نتنياهو وابنه وأقرب المقربين منه، أن تنجح في تجنيد عملاء داخل مكتب رئيس الوزراء، دون أن يكون ذلك مرعبًا ويسبب زلزالًا بحجم التوراة.”

يستعصي على الكاتب فهم اللغر القطري كما باقي ألغاز السياسة الاسرائيلية، في مقاله “مربحٌ لنا بشكل ضخم: على نتنياهو أن يواصل في منصبه – إذا ما خرج هذا التحرك إلى حيّز التنفيذ.
يحاول فيه تفسير “لغز المستقبل – الثقب الأسود” الذي ابتلع إسرائيل عام 2025:
▪️ لماذا رفضت إنهاء أطول حرب في تاريخها ضد أضعف أعدائها؟
▪️ كيف أصرت على “النصر الشامل” رغم الدمار الهائل في غزة؟
▪️ لماذا واصلت استنزاف نفسها عسكريًا واقتصاديًا ودوليًا؟
يقولبن كسبيت:“إسرائيل عبر تاريخها لم تحدد هدفًا بتدمير عدو بالكامل. كانت دائمًا تضرب بقوة ثم تنهي الحرب بسرعة. حتى في مواجهة إيران أو حزب الله. لكن مع حماس تغيّر كل شيء فجأة: قرار غير منطقي وغير أخلاقي.”
يجيب على أسئلته الكبرى بتساؤلات اتهامية عن قطر، حضوره وحدته بعد 7 أكتوبر، والهدف منه ليس الحديث عن “تيار إسلامي معتدل” كما يُسوّق أحيانًا، بل عن حركة مقاومة مصنفة إرهابية لدى أوروبا وأمريكا.
يعتبر الكاتب إن قطر،” الدولة التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، راعيًا مباشرًا وكبيرًا لأعدائها. كانت قطر بالفعل الراعي الأكبر لحماس. موّلتها، بشكل مباشر وغير مباشر، واستضافت قادتها، وكانت سندَها وداعمها ومدافعًا عنها.” وهذه الدولة ” اتضح أن ثلاثة على الأقل من مستشاري رئيس الوزراء المقربين، في خضم محاربتهم لآلة حماس الإرهابية التي موّلتها قطر، يعملون لديها ويكسبون عشرات ومئات الآلاف من الدولارات، مرّت القضية بهدوء نسبي. لن يركز المحققون على الجانب الجنائي للحادثة، بل سيحاولون التعمق في جوانبها العامة والأخلاقية والوطنية.
صحيح أن الربط بين قطر، حماس، والإخوان يمنح البلد حضورا شعبيا نافعا، لكنه بنفس الوقت ضار بقطر، لأنه يقدّمها كدولة “تحت سيطرة تنظيم” . وبمعزل عن الضرر والفائدة، هذا الربط دعاية كاذبة و جزء من حملة منظمة ضد قطر، تقودها لوبيات صهيونية على مستوى عالمي، تقف وراءها أكثر الأوساط تطرفًا في اليمين العالمي: صهاينة، إسلاموفوبيون، ومتطرفون قوميون. ورغم حجم الحملة، فقد فشلت فشلًا ذريعًا؛ إذ تكشف استطلاعات الرأي العالمية عن تعاطف جارِف مع الفلسطينيين، ومن يساندهم ، مقابل عزلة إسرائيل وحلفائها ومن يساندها. وليس أدل على فشل الحملة من استمرار الوساطة القطرية منذ بداية الحرب، رغم تعثرها بسبب تعنت نتنياهو والذي أستفاض بن كاسبيت في الحديث عنه باعتباره لغزا.
على العكس، لجأت قطر إلى التهديد بالانسحاب من الوساطة، وهي تجد إشادة من ترمب وفريقه ومن الفريق الإسرائيلي ” المهني ” في التفاوض غير الملزم بتعنت نتنياهو. وبالإضافة إلى الحاضر المتابع الآن على العواجل والشاشات، فالتاريخ يقدم حقائق توضح قطر لا تسيطر على الأخوان وحماس، ولا يسيطرون عليها. وعلاقتها بهم “طبيعية ” كحال كل دول العالم ، بما فيها دولة الاحتلال قبل ٧ أكتوبر .

تاريخ العلاقة بين قطر والإخوان أو حماس، لا يشكل منها حالة استثنائية في العالم العربي. فحماس لم تولد في قطر؛

ثم انتقل مكتبها السياسي إلى الأردن، وبقي يعمل رغم معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية (1994)، إ

وتسبب ذلك بأزمة في العلاقات الأردنية القطرية خصوصا بعد إصرار المهندس إبراهيم غوشة الناطق الرسمي باسمها على العودة إلى الأردن كونه يحمل جنسية أردنية . خلال عام غادرت قيادة حماس إلى دمشق، لم تتمسك بها قطر، وحافظت على علاقة جيدة معها، ثم عادت بعد عقد مكرهة أيضا بسبب الثورة السورية.

وجد الإخوان المسلمون، كما حماس، ملاذًا في دول عديدة غير قطر: السعودية، الأردن، الكويت، أوروبا، وأمريكا. و

، كما فعل سعيد رمضان أو كامل الشريف وغيرهم .للمقارنة: استضاف الأردن كامل الشريف، قائد مقاتلي الإخوان في حرب 1948، وقائد مقاومة الإنجليز في قناة السويس ، وصار مبعوثًا خاصًا للملك للملك حسين ، ووزيرأوقاف، وشقيقه محمود ( كان مسؤول الإخوان في العريش ) صار وزيرا للأعلام، وابنه نبيل كذلك. ومحمود انتقل إلى قطر ليؤسس إذاعتها.

استضافت السعودية الشيخ علي الطنطاوي، عندما منعه حافظ الأسد من العودة إلى سوريا، محمد محمود الصواف المراقب العام للأخوان المسلمين في العراق بعد ثورة تموز ، ومعروف الدواليبي، وغيرهم.استضافت الإمارات عدنان سعد الدين (المراقب العام لإخوان سوريا) وكان أول وزير للتربية والتعليم فيها من الإخوان . أما الكويت فكان الإخوان يحظون فيها بوجود رسمي من خلال جمعية الإصلاح الاجتماعي وشاركوا في البرلمان والحكومة .. قطر لم تكن استثناء.

من المهم التذكير أيضًا أن البلد العربي الوحيد الذي تبنّى موقفًا استئصاليا ضد الإخوان هو سوريا من خلا

. لكن دمشق نفسها استضافت قيادة حماس، خالد مشعل كان المراقب العام للإخوان في فلسطين. والمفارقة أن إسرائيل نفسها سمحت للإخوان بتأسيس الجامعة الإسلامية في غزة، التي خرجت معظم قيادات حماس من هنية إلى السنوار . واليوم، في الوقت الذي يُهاجم فيه دور قطر، هناك حركة إسلامية إخوانية (الجنوبية) تشارك في العملية السياسية الإسرائيلية ومنصور عباس زعيم الحركة الاسلامية الجنوبية شارك في الائتلاف الحاكم .

القضية إذن ليست “إخوان” ولا “حماس” ولا “قطر” ولا “تركيا”. القضية باختصار هي الموقف من الصهيونية: من يقبل روايتها كما فعل منصور عباس يُغفرما تأخر وما تقدم ، ومن يعارضها يُجرّم ويُلاحق. أما قطر، فهي لم تستخدم إلا سلاح الدبلوماسية والوساطة، دفاعًا عن الفلسطينيين في مواجهة حرب إبادة غير مسبوقة.والمفارقة أن مقال بن كسبيت نُشر في اليوم نفسه الذي صدر فيه تقرير أممي عن المجاعة في غزة. إسرائيل تريد من قطر أن تكف عن الوساطة وأن تُشيد بها لأنها “تسمح بإدخال الطعام” بينما تحاصر القطاع. لكن الحقيقة أن الوساطة القطرية هي أرقى أشكال العمل السياسي والإنساني في عالم اليوم، وهو ما تشهد به الأمم المتحدة نفسها، والولايات المتحدة أيضًا التي اعترفت مرارًا بدور قطر في غزة وأفغانستان. وللتاريخ البلد الوحيد في العالم الذي لا يوجد فيه تنظم للإخوان هو قطر، لأن التنظيم حل نفسه في العام ١٩٩٩. هذه هي الحقيقة بعيدا عن مسلسل الأكاذيب.

هل تريد التعليق؟