لا بد أن نتفاءل، ولا بد من أن ننشر الأماني الطيبة، فلولا ذلك لانهار الإنسان تحت وطء التوقعات السيئة. وكما يعزز الطالب بطيء التعلم بضرورة الاستعداد للسنة المقبلة والعمل على تحصيل معدل أعلى تعزز الشعوب بطيئة التعلم. فشل في السياسة؟ في الاقتصاد؟ في الثقافة؟.. لا يهم. يمكن إعادة السنة وتحسين التحصيل. لا يمكن اللجوء لمفهوم النجاح “الجزئي” لعدم وجود مواد نجح فيها الطالب أصلا.
لتبدأ الاستعدادات لـ”إعادة السنة” فأول درجات النجاح هي الاعتراف بالفشل.وبعدها نحتاج لكثير من التفاؤل والأماني الطيبة. سياسيا، أجريت في العام الماضي انتخابات بلدية ونيابية، وفي الاثنتين لا يمكن ادعاء النجاح. لم تشهد البلاد أسوأ منهما في تاريخها. ولم تكن الحكومة مضطرة لإجراء الانتخابات بهذا المستوى. وحتى اليوم لم تقدم الحكومة إجابة على تساؤلات واتهامات المركز الوطني لحقوق الإنسان في الانتخابات البلدية. وبدلا من أن تكون الانتخابات فرصة لتنفيس الاحتقانات السياسية فاقمتها وراكمت عليها.
وما شأن المواطن في ذلك؟ صحيح. لا تكترث الأكثرية بالسياسة. ولو لم تجر الانتخابات من أصله لما طالب الناس، ولو حلَت الأحزاب جميعا لما حزنوا عليها. يهتم المواطن بضرورات عيشه. هذا صحيح، فماذا تحقق منها؟ المداخيل تتآكل والفقراء يزدادون. وكأن الناس ناقصة كارثة ارتفاع سعر المحروقات. من العام الماضي وطبول الارتفاع تقرع. وهو آت لا ريب فيه. لا أحد يعرف إلى أي مدى ستوغل سكين الأسعار. يمكن أن يحدد سعر ارتفاع اسطوانة الغاز لكن كم سيؤثر ذلك على متطلبات الحياة الأخرى من غذاء ودواء ومسكن ونقل وعمل؟ يصعب تخيل حال الناس حتى بعد زيادة الرواتب.
لم تقدم الحكومة الحالية، ولا السابقة، حلا ابداعيا لارتفاع أسعار المحروقات. ولم تقم حتى بإعلان حالة تقشف عامة لصالح الشريحة الأكثر فقرا. ومن يشاهد المشاريع العامة وإنفاق المسؤولين يظن أننا في بلد نفطي. والحكومة السابقة تصرفت كالتي سبقتها وفق سياسة المياومة، فهي لا تعرف متى ترحل، وتريد أن تخرج بأقل خسائر وما أمكنها تقذف كرة النار على من يليها من الحكومات.
طبعا، خبراء العلاقات العامة قادرون على نسف معاناة الناس، وتقديم أرقام “دقيقة” عن ارتفاع مخزون البلاد من العملة الصعبة، وارتفاع معدلات النمو وزيادة الاستثمار، ولو صدق هؤلاء الشعراء لكان الأردن من سنوات خلت واحدا من الدول الصناعية الثماني على مستوى العالم. لا بأس، فالعلاقات العامة نوع من الأماني الطيبة تنشر التفاؤل في أجواء الإحباط.
بقيت الثقافة؟ لا أذكر كتابا أردنيا مهما صدر في العام الماضي. ربما يكون صدر كتاب مهم، قد يكون ديوان شعر، لكن هل باع أكثر من عدد تذاكر حفلات رأس السنة؟ قطعا لا. وهل تحتاج الدولة لفائض مالي حتى تنتج ثقافة؟ هي مثل السياسة لا تحتاج نفقات. ومع ذلك الطالب بطيء التعلم رسب هنا أيضا. وهو يصر على ربط رسوبه بارتفاع أسعار النفط عالميا.
في أيام المدرسة كان يلجأ بعض الأشقياء إلى تزوير شهاداتهم ليخففوا عقوبات الأهل الرادعة. وبإتقان التزوير كان الأهل يفرحون بالشهادة، فرحا مؤقتا، سريعا ما تنشكف الكذبة. لماذا نبدو في 2008 غير ناضجين مثل هذا النوع من الطلاب؟ آن لنا أن ننضج ونعترف أننا نفشل حتى نعيد المحاولة علّنا ننجح نجاحا حقيقيا متواضعا يتناسب مع إمكاناتنا لا أن ندعي نجاحا مزورا أكبر منا.
وكل عام ونحن بخير.
هل تريد التعليق؟