مقالات

إعصار كاترينا: “عقوبة إلهية”

وكأنك في بلد إفريقي! اللون الأسود كان ضافيا في مشهد ضحايا إعصار كاترينا. جثث ومصابون، وكأن بين الأفارقة السود وبين المصائب نسبا،

وكأنك في بلد إفريقي! اللون الأسود كان ضافيا في مشهد ضحايا إعصار كاترينا. جثث ومصابون، وكأن بين الأفارقة السود وبين المصائب نسبا، سواء أكانوا في أرضهم الأم أم في مهجرهم الذي سيقوا إليه في غابر الزمان عبيدا، فغدا لون جلدهم حددا لا ينزع مع تبدل الزمان وتغير المكان. دون من قتلوا وشردوا في كاترينا ملايين قضوا في القارة السوداء من قبل، بعادية الجوع  والطوفان ومرض نقص المناعة وما شئت من أمراض.

ثمة من يشمت في المصائب، وقد وجد الأميركيون-بمعزل عن أصول أكثريتهم الإفريقية- من يشمت بهم، ويعتبر ما حل بهم عقوبة من الله عز وجل. فتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بدأ بيانه بخصوص الإعصار بقوله تعالى: “وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَاد” (سورة الرعد)، مزجيا التهاني “لأمة الاسلام، وشيخها المجاهد أسامة ابي عبدالله، وأميرنا الملا محمد عمر، والشيخ أيمن الظواهري. هنيئا لاهل الفلوجة والقائم وحديثة والكرابلة، هنيئا لاهلنا في فلسطين، هنيئا لامة الاسلام وبشراها بدمار رأس الكفر امريكا، فها هي بوادر الانهيار بادية عليها. كل يوم تحل عليهم القوارع او قريبا من ديارهم، “فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”، “وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون”.

ويضيف البيان الذي نشر على موقع شبكة الحسبة: “بالامس القريب َتضرب امريكا من تشاء وتقتل من تشاء وتجوع من تشاء، واليوم تستجدي النفط والغذاء، فقد حلت غارة الله على امريكا، واجيبت دعوة المظلومين، “فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر”.

بيان القاعدة يعبر عن مشاعر العداء لأميركا، وهي مشاعر تحولت إلى أفعال، قبل الحادي عشر من أيلول وبعده. لكن العداء لأميركا، ولو لأسباب وجيهة، لا يجوز أن يصل إلى حد الشماتة بمصائب تمس البشر العاديين، ولا تميز بين إنسان وآخر، لا حسب لونه ولا دينه ولا جنسه.

بيان القاعدة يعبر عن غضب وسخط لا يخصها وحدها، ويهدي خصوم الإسلام سلاحا جديدا، يظهر المسلمين بوصفهم حاقدين على البشرية لا غاضبين على سياسة أميركية ظالمة. وللمقارنة فقط: كيف تعامل بوش مع كارثة تسونامي، وكيف تعاملت القاعدة في بلاد الرافدين مع كاترينا؟ بوش لم يقدم مساعدات للدول المتضررة من تسونامي مقدار ما قدمته قطر والكويت لأميركا، لكنه ظهر أمام الرأي العام الإسلامي في أندونيسيا وغيرها رحيما حانيا، وهو ما حسّن شعبيته في تلك المناطق التي ظلت تمور بمشاعر العداء ضده.

تلك الحركة لم تكن تعكس السياسة الأميركية الخارجية، التي لا تولي المصائب الإنسانية حقها وإنما تستغلها لتحقيق مصالحها، لكنها إعلاميا أظهرت انقلابا في السياسة الخارجية الأميركية، إلى درجة جعلت بعض الكتاب العرب “يزغردون” للمساعدات الأميركية، ويستنكرون فقدان المجتمعات الإسلامية للمشاعر الإنسانية، مع أن إحصائيات منظمة مراقبة المساعدات الإنسانية في لندن كشفت أن حجم المساعدات الإسلامية لضحايا تسونامي بلغت ثمانين في المائة!

من بدهيات الإيمان أن الله يبتلي الناس بالضراء، طوفانا وزلزالا وأمراضا، بمن فيهم الأنبياء والرسل والبر والفاجر والمؤمن والكافر، والابتلاء يزيد المؤمن إيمانا، فيصبر ويلجأ إلى الله عز وجل، ويستغفر من ذنوبه، ويتوب إلى الله، وينفق على غيره مالا وجهدا وعملا.

وقد تمكنت المنظمات الخيرية الإسلامية، التي ينهض بها متطوعون، من تقديم صورة مشرقة للإسلام في مناطق الفقر والنكبات في إفريقيا وآسيا. وبعد الحادي عشر من أيلول، حوربت تلك المنظمات بضراوة، لكنها تمكنت من الصمود، وواصلت عملها، لا تبتغي من غير الله جزاء ولا شكورا. وفي كارثة كاترينا فرصة لتلك المنظمات لإيصال رسالة مهمة: المسلمون لا يعادون الشعب الأميركي.. المسلمون يعادون سياسات أميركا الظالمة. 

للعلم، أميركا ليست مجرد طائرات وبوارج؛ في أميركا تبرَّع أسطورة الحاسوب بيل غيتس بربع ثروته لصالح أمراض الاطفال في إفريقيا، وليس أميركا. وبدلا من أن تنشغل زوجته بمتابعة مظاهر البذخ من اليخوت والطائرات والقصور، كرست نفسها لمهمة إنقاذ أطفال إفريقيا، وهي لا تنشط في إطار تبشيري مستغلة فاقة الناس، وإنما في إطار إنساني.

للكوارث فوائد؛ إنها تذكرك بأن ثمة قوة قاهرة في الكون لا تقف في وجهها أعظم قوة عسكرية أو اقتصادية، قوة تذكرك بضعفك البشري، فقيرا كنت أم غنيا، تذكرك كم أنت بحاجة إلى الله بقدر حاجتك إلى البشر من حولك. لذلك، لم يكن مستغربا أن يكتشف بوش أهمية الأمم المتحدة بعد الكارثة!

About the author

ياسر أبو هلالة

Leave a Comment