مقالات

التحالف السعودي الإسرائيلي في مواجهة بايدن

تبقى السعودية “التقليدية”، ممثلة بالملك سلمان ووزارة الخارجية، ملتزمة بالموقف الذي التزمت به السعودية منذ مبادرة السلام العربية قبل نحو عقدين، وهو التطبيع الشامل مع العالم العربي، مقابل السلام الشامل مع العرب والفلسطينيين. أما السعودية الحقيقية الموازية فهي متحلّلة من ذلك كله، وهي بقيادة الحاكم الفعلي محمد بن سلمان، متنكّرة للحقوق العربية والفلسطينية، ومتحالفة مع الصهيونية، وليس مع إسرائيل الدولة، فعندما تشارك السعودية الحقيقية في الضغط على السودان ودفع رشوة التطبيع تكون قد تجاوزت العلاقات “الطبيعية” مع الدولة إلى التحالف الاستراتيجي الشامل. 
لم يتوقف الأمر عند السودان، تمارس الضغوط ذاتها على العراق وسورية وباكستان ودول كثيرة. عمليا، تشتغل السعودية كاسحة ألغام لدولة الاحتلال، تمهّد لعبور دباباته، وتتحمل كلفة ذلك باندفاعٍ يقارب الفدائية، تماما كالإمارات، وهي من قبل ومن بعد جزء من تحالفها بشكل ضمني. والحفاظ على عدم علانية العلاقة يعود إلى اعتبارين: مراعاة الرأي العام السعودي الذي أكّدت استطلاعات الرأي إنه معادٍ بقوة للتطبيع، ومناصر للحق الفلسطيني. رغبة الملك سلمان في الحفاظ على صورته بأنه لم يضع يده بيد الصهاينة، تماما كإخوته الذين سبقوه في الحكم. وفي المقابل، هو لا يضع حدا لاندفاع ابنه، ولي العهد، باتجاه إسرائيل، وهو راضٍ تماما عنه، فالمسألة تقاسم أدوار إلى أن يغادر الحكم أو يغادر الدنيا. 
بحسب الصحافة الإسرائيلية، لم يكن لقاء نتنياهو ومحمد بن سلمان في يوم الإثنين الماضي، وسرّبه الإعلام الإسرائيلي، الأول بينهما، سبقته لقاءات في “يخوت” وفي مدن عربية وأوروبية. الجديد ليس اللقاء، ولا مواضيعه، إنما “تسريب” خبره. خصوصا أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية كان بإمكانها وقف نشر الخبر. أكثر من ذلك، أكّد مسؤولون سعوديون كبار لـ”وول ستريت جورنال” اللقاء، بمعنى أن التسريب كان مقصودا من الطرفين… لماذا؟
أولا هو هدية من محمد بن سلمان لنتنياهو في معركته الداخلية، فهو مدينٌ له تماما، كما هو مدين لترامب، في “حماية مؤخرته”. ويعلم نتنياهو أن التطبيع العلني وشبه العلني مع السعودية سيعزّز فرصه الداخلية. ولذلك غرّد أقرب مستشاريه أنه في الوقت الذي يصنع منافسه السياسة هو يصنع السلام. 
ثانيا، وبحسب ما صرح مسؤولون سعوديون لصحيفة إسرائيل اليوم، المقرّبة من نتنياهو، تسريب اللقاء رسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب، بايدن، أن “المملكة واثقة” من أن بايدن وفريقه “أعدوا بالفعل خطة لاتفاق جديد مع الإيرانيين”، و”الرياض مهتمة بإقامة جبهة موحدة مع الإسرائيليين بشأن القضية الإيرانية”، وهي تعتبر إسرائيل “الحليف الأهم لمواجهة التهديد الإيراني”. 
ثالثا، وبحسب الصحيفة المقرّبة من نتنياهو، والتي اطلعت على المباحثات السرّية، “يخشى السعوديون عقوبات ومذكرات توقيف تصدرها إدراة بايدن ضد ابن سلمان، ومسؤولين سعوديين آخرين، في قضية اغتيال جمال خاشقجي”. وفي هذه الحالة، بحسب الصحيفة، “أخبر ابن سلمان نتنياهو بأن السعوديين بحاجة إلى مساعدة إسرائيلية مع الأميركيين”. 
بالنتيجة، لن يفيد ذلك كله محمد بن سلمان، وهو على عادته، في اندفاعاته الهوجاء، يحقق خسائر صافية، ولن يتمكّن الإسرائيليون من مساعدته، لكنه هو من يساعدهم. ستظلّ إيران تهديدا قائما له. حققت انتصارات عليه في اليمن، وفي قلب السعودية عندما ضربت “أرامكو”، وفي لبنان وغيره من ساحات التنافس. وهي تعود مسلحة باتفاق نووي جديد. والرجل الذي كان يتفاخر بأنه حمى “مؤخرته” سيكون مشغولا بحماية “مؤخرته” هو بعد هزيمته في الانتخابات. لديه ملفات مفتوحة في التدخل الروسي، والضرائب وعرقلة العدالة وغير ذلك. بالنسبة للديمقراطيين، سيتلذّذون بضرب حلفائه، وأولهم محمد بن سلمان.

هل تريد التعليق؟