الرئيسية » المدونة » الحرية الصحافية في الأردن أفضل من أميركا وإيطاليا وتونس

الحرية الصحافية في الأردن أفضل من أميركا وإيطاليا وتونس

جريا على قول مظفر النواب “ويدافع عن كل قضايا الكون ويهرب من وجه قضيته”، سأدافع عن قضايا الصحافيين في العالم، وسأثبت أنه لا يوجد عالم حر ولا صحافة حرة. ضمنا، يستنتج القراء الكرام أننا، نسبيا، أفضل ممن ننتقدهم.

مراسلة البيت الأبيض الأقدم هيلين توماس، أقصيت لأنها قالت إن على اليهود أن يعودوا من حيث أتوا. أوكتافيا نصر الصحافية الشهيرة من أصل لبناني في سي أن أن تلقى المصير ذاته لأنها قالت في تويتر إنها تحترم العلامة السيد محمد حسين فضل الله. وفي إيطاليا، التجاوزات أنكى لأنها ستصدر في شكل قانون ستقدمه حكومة برلسكوني يمنع الصحافيين من نشر معلومات مبنية على التنصت .أما في تونس فيحكم على مراسل تلفزيون الحوار التونسي بالسجن أربع سنوات.

من السهل جدا التعاطف مع الصحافيتين من أصل لبناني، ويمكن الشطح والقول إن ما حصل هو موقف يعبر عن عنصرية تجاه المرأة اللبنانية التي جرى تنميطها، مع ملاحظة أنهما لا علاقة لهما بالمطلق بالصورة النمطية، فلا تبالغان في إظهار المفاتن ولا تجريان عمليات تجميل باستمرار. يصعب اليوم القول إن انفتاح المجتمع الأميركي هو ما أعطاهما فرصة ما كانا سيحصلان عليها بسهولة في بلد آخر. وإن المس بثوابت ذلك المجتمع، ومنها التضامن مع إسرائيل مكلف جدا. ناهيك عن احترام مرجعية تعتبر الأب الروحي لظاهرة الإسلام الجهادي الذي أثخن في الأميركيين والإسرائيليين في لبنان وخارجه.

في العموم، تضامن مطلق مع حرية الصحافة. في التفاصيل، يجب أن ندقق. لم تكن أوكتافيا نصر صوتنا في أميركا. كان يؤخذ عليها أنها جزء من السياق الأميركي في التعامل مع قضايا المنطقة. ولم تقدم تغطية خارجة عن السياق. أي أنها جزء من المؤسسة الغربية ولو ولدت عندنا ودرست في جامعاتنا. في تويتر، وهو فضاء شخصي لا مؤسسي تغلبت إنسانيتها على ولائها المهني.لا يمكن مقارنتها بهيلين توماس التي ظلت شوكة في حلق الرؤساء الأميركيين إلى درجة أن الناطق باسم بوش أفرد في كتابه فصلا كاملا لانتقادها. ومع ذلك كل ما استطاع بوش الابن أن يفعله بحقها هو حرمانها من ميزة اختتام المؤتمر الصحافي بكلمة “شكرا سيدي الرئيس”، وصار هو يشكر الصحافيين!

لو كنت في إيطاليا لشاركت في إضراب الصحافيين في “يوم الصمت” احتجاجا على القانون. وهذا موقف أخلاقي لا مراء فيه. لكن ما يقال في صاحب القانون، برلسكوني، في صحافة بلاده لا يقال عندنا بحق رئيس بلدية فاسد مفسد يدير عمله من ناد ليلي. أما التنصت فهو مصيبة المصائب في العالم العربي. سلاح غير أخلاقي وغير قانوني يمارس جهارا ونهارا ضد الصحافي ولا يستخدمه الصحافي. وقد كان جميل السيد مدير الأمن العام اللبناني يتصل بالصحافي الشهيد سمير قصير مهددا مرهبا في خصوصياته اعتمادا على تنصت على جهازه. وأيامها قال الحريري إنه لا يستطيع حماية هاتفه من التنصت.

في تونس تجاوزت السلطات أساليب التنصت والفبركة التي ظلت تمارسها مع معارضيها، وخاضت المعركة بوضوح ضد قناة الحوار التونسي التي تبث ساعة في اليوم. وبشاعة الموقف لا تقتصر على استهداف وسائل التعبير السلمي الحر فحسب، بل تتعداه إلى انتزاع صحافي من فراش المرض ليلاقي مصيره، بحسب موقع المرصد، أكّد الفاهم بوكدّوس من سريره بالمستشفى: “أنا أتوقع أن يأتي البوليس في أي لحظة لانتزاعي من سرير المستشفى ويلقي بي في غياهب زنازينه الجهنمية، وسأتقبّل بشجاعة هذا الحكم الجائر لعدالة تتحرّك بالتعليمات، لكن يهمني أن يعلم الجميع أن حياتي في خطر وأنه من الوارد جدا أن يقودوني إلى الموت”. تصريحاته بعد أن قضت محكمة الاستئناف بقفصة بالسجن 4 سنوات نافذة من أجل “تكوين عصابة إجرامية من شأنها، “الاعتداء على الأشخاص وممتلكاتهم”؛ وقد جاء هذا الاتهام على خلفية تغطية بوكدّوس لقناة “الحوار التونسي” للتحركات الاحتجاجية الشعبية التي عرفتها منطقة الحوض المنجمي بقفصة خلال سنة 2008. وقد رفضت المحكمة طلب تأجيل الجلسة المقدّم من الدفاع في خرق واضح لمجلة الإجراءات الجزائية، لتصدر بذلك حكمها من دون تمكين الدفاع من الترافع، رغم تقديم الدفاع لوثائق طبية تثبت أن الفاهم بوكدّوس قيد العلاج حاليا بقسم الأمراض الصدرية بمستشفى فرحات حشاد بسوسة وأن حالته لا تسمح له بالتنقل.

يسهل التضامن مع بوكدوس .الصعب أن نقول أن لا بلد عربيا يسمح بقناة مثل الحوار التونسي. ومن العجائب أن القناة ما تزال تحتفظ بمقرها في تونس! وهذا ما كان لولا شجاعة الصحافيين العاملين فيها وتضحياتهم. ولا شك أن ما أقدموا عليه عز نظيره في العالم العربي السعيد بفتات الهوامش. حال الصحافة لا تقاس بما تمن به السلطة (حكومة أم مؤسسة) على الصحافي من حريات وامتيازات، بل تقاس بما يحققه بجهده وإبداعه وتعبه وتحصيله تماما كما في نضاله وتضحياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *