مقالات

العرب الصهاينة واليهود الفلسطينيون

لا تحدد الجغرافيا الهوية الحقيقية. في المشروع الصهيوني يتجسد ذلك. ولدوا في نيويورك ولندن وبغداد وباريس ولكن وجدانهم ظل في “أرض الميعاد”. واتسع المشروع الصهيوني لغير اليهود ممن ناصروهم وأعانوهم وتنكروا لعروبتهم، وتحولت فلسطين بالنسبة لهم إلى عبء لا يطاق.

في حصار غزة يمكن تحديد من هو العربي، ومن هو الصهيوني، بعيدا عن مسقط الرأس أو الدين أو اللغة. في قافلة “شريان الحياة3” أتيح لي أن أتعرف على فلسطينيين حقيقيين، تعني لهم تلك البلاد قضية عادلة تجب نصرتها. منهم فلسطينيو الأصل لم تنسهم نجاحاتهم في بلاد الغرب وطنهم الوجداني، أحدهم من فلسطينيي لبنان، أي نشأ في أكثر الأماكن ضيقا بالفلسطيني إلى اليوم. سواء بما ارتُكب من مجازر أو ما يمارس من تمييز عنصري في العمل والتعليم وكل شيء. أتم الدكتوراه في الحاسوب في بريطانيا وأخذ جنسيتها وعمل في شركة (آي بي أم) إحدى أهم شركات الكمبيوتر العالمية. كان يستطيع أن يقضي أجازته في ربوع أرض الأجداد ويستمتع بشواطئ يافا وحيفا، أو يتمتع بدفء دبي، لكنه اختار أن يتشرد مع القافلة المدفوعة بالأبواب، تاركا زوجته وأطفاله في عمان. مثال آخر كويفا بترلي أيرلندية حاصلة على درجة الماجستير لا تسمع صيحة لنصرة غزة إلا لبتها، وسياحتها الدائمة مخيمات البؤس والشقاء. ترى في قضية فلسطين عدالة قضية أهلها في أيرلندا الذين قاتلوا أكثر من سبعة قرون.

طبعا الهوية الفلسطينية تتسع لكل الجنسيات، ففي القافلة أميركيون وإنكليز وأتراك وباكستانيون وماليزيون وغيرهم. وفي غير القافلة شهدنا تعبيرات أشد سطوعا، تلك اليهودية الثمانينية الناجية من الهولكوسوت التي اعتصمت في شوارع القاهرة احتجاجا على الجدار الفولاذي، مع أن مسار حياتها يدفعها إلى الصهيونية قسرا. هل تعلّم منها الشيوخ الذين جمعتهم الدولة ليفتوا بأن الجدار الفولاذي حلال، ومن قبل أفتوا بحرمة الجهاد، وصافح شيخهم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز من دون وجل؟ أي إساءة حملها هذا الموقف للإسلام والعروبة ولمصر؟

قبل الثورة المصرية، سئل النقراشي باشا عن قضية فلسطين فقال “أنا رئيس وزراء مصر ولست رئيس وزراء فلسطين”، وكانت شرعية الثورة أنها خرجت من دائرة القطرية إلى أفق العروبة، فحملت الناس في دمشق سيارة عبدالناصر، وقدمت الشام بثقلها التاريخ هدية له. وقاد الناس من المحيط إلى الخليج لأنه أراد تحرير فلسطين.

لم تكن الثورة الفلسطينية محلية في يوم من الأيام، بدءا من القسام السوري إلى حسن البنا المصري، ولم تنشأ “فتح” في حواري غزة، بل احتضنتها عواصم العرب في الكويت وعمان والقاهرة ودمشق. وكذلك حماس والجبهة الشعبية وفصائل المقاومة.

نجحت الحركة الصهيونية عندما أحيت مفهوم الشتات اليهودي في العالم، وغدا لها أنصار في كل مكان، ولن تنجح الحركة الفلسطينية إلا بالطريقة نفسها. وفي عدالة القضية الفلسطينية جاذبية لكل أحرار العالم، وليس للعرب والمسلمين وحدهم. تماما كما أن للحركة الصهونية بما تمثله من مصالح جاذبية حتى للعرب والفلسطينيين. وعلينا أن نميز الخيط الأبيض الفلسطيني من الخيط الأسود الصهيوني حتى عند من لسانهم عربي ووجدانهم صهيوني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *