الرئيسية » المدونة » تحرير أسعار المحروقات واحتكار الوقود يفاقمان معاناة اللبنانيين

تحرير أسعار المحروقات واحتكار الوقود يفاقمان معاناة اللبنانيين

بيروت- يدخل لبنان مرحلة تحرير أسعار المحروقات، ويشكك خبراء في أن يقود ذلك إلى انفراجة وتوافرها في الأسواق، ويطرح آخرون إشكالية تؤرق اللبنانيين وتتعلق بتساؤل: هل أصبح نقل مصادر الطاقة وتأمينها حكرا على فئات ميسورة بعد أن طال الفقر نحو 75% من السكان؟

وللمرة الثانية في أسبوع واحد، أعلنت وزارة الطاقة زيادة بنحو 16% في أسعار الوقود، استكمالا لمسار الرفع التدريجي للدعم الذي توفره الحكومة عبر مصرف لبنان المركزي، ويؤمن بدوره الدولار لشركات استيراد المحروقات.اقرأ أيضافقراء لبنان رهن الوعود.. لماذا تعجز السلطات عن توفير موارد لـ”البطاقة التمويلية”؟مصير اللبنانيين رهن صراع السلطتين السياسية والنقدية.. من يتحمل التداعيات الخطيرة لرفع الدعم عن المحروقات؟أسعار الوقود في لبنان تقفز 66%مطاحن لبنان تحذر من توقف الإنتاج بسبب نقص الوقود

وارتفعت أسعار المحروقات بأكثر من 608% في عام واحد، وفق تقرير نشرته “الدولية للمعلومات” قبل أيام. ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار أسبوعيا، تماهيا مع سعر صرف الدولار في منصة “صيرفة” الإلكترونية (نحو 14 ألف ليرة) التي سبق أن أنشأها المركزي للمعاملات التجارية، في حين يتجاوز الدولار في السوق السوداء 15 ألفا و700 ليرة.

شبهات واحتكار

ومنذ أشهر، يخوض اللبنانيون مهمات شاقة لتعبئة خزانات سياراتهم بالبنزين، فإما الوقوف في طوابير ساعات أمام محطات الوقود، أو اللجوء إلى السوق السوداء، حيث يتوافر البنزين بضعف سعره الرسمي، ويصعب تحديد كميات الوقود التي يسيطر عليها المحتكرون والمهربون.

وحسب التقديرات، فإن لبنان يحتاج شهريا 10 ملايين لتر من البنزين و11 مليون لتر من المازوت.

ويشير مصدر مطلع للجزيرة نت إلى أن احتكار المحروقات يتم بأساليب عدة؛ منها قيام عدد كبير من أصحاب السيارات المركونة أمام المحطات بملء خزاناتهم بالبنزين ثم إفراغها لبيعها بأسعار مرتفعة، وتواطؤ بعض المحتكرين مع بعض الشركات المستوردة للاستحواذ على كميات كبيرة على أن يتقاسموا معهم أرباح بيعها بالسوق السوداء، في حين يقوم عدد كبير من أصحاب محطات الوقود المقفلة بالعمل سرا وبيع حصتها في السوق السوداء أيضا.

ما بعد الدعم

يرى خبراء اقتصاديون أن رفع الدعم لن يؤدي إلى توفر المحروقات في الأسواق قبل ضبط عمليات الاحتكار، ذلك أن الطلب أكثر من العرض.

ويرى الخبير الاقتصادي نسيب غبريل أن المركزي لا علاقة له بالأسعار التي تحددها وزارة الطاقة، ودوره تقني ومالي يقتصر على توفير الدولار للشركات المستوردة.

وقال غبريل للجزيرة نت إن رفع الدعم يلغي حوافز التخزين والاحتكار والتهريب، لأن السوق السوداء نشأت نتيجة فرق الأسعار بين الصفيحة المدعومة وغير المدعومة.

ويرى غبريل أن الإعلان مسبقا عن موعد رفع الدعم شجع المحتكرين على التخزين للبيع لاحقا بأسعار مرتفعة، مضيفا أن المحتكرين يفضلون الدعم لحصد أرباح طائلة.

ويعجز المركزي عن الاستمرار في سياسة دعم الاستيراد نتيجة استنزاف احتياطي الدولار، وسط تحذيرات من المس بالاحتياطي الإلزامي الذي انخفض من نحو 32 مليار دولار قبل أزمة شح السيولة نهاية 2019 إلى نحو 14 مليار دولار حاليا.

وتتقاطع أزمة المحروقات مع تحديات عدة؛ فسياسيا يترقب لبنان مفاعيل استيراد المشتقات النفطية الإيرانية عبر حزب الله، واستيراد الفيول العراقي، ونتائج اتفاقية استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر “الخط العربي” مرورا بسوريا.

وماليا، تتجه الأنظار إلى كيفية توفير مصرف لبنان الدولار لاستيراد المحروقات، وإن كان ذلك سينعكس سلبا على تدهور قيمة الليرة بالسوق السوداء.

وشعبيا، يتمحور اهتمام اللبنانيين على سبل توفير مصادر الطاقة، لأن كلفة البنزين للتنقل والديزل لمولدات الكهرباء الخاصة (بسبب انقطاعها نحو 20 ساعة يوميا) تتطلب أكثر من ضعفي الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة (نحو 40 دولارا).

معاناة التنقل

أمام هذا الواقع، يتبادل اللبنانيون معاناة التنقل، ويدفع كثيرون نصف رواتبهم للذهاب والإياب من أشغالهم؛ ويعجز آخرون عن اللجوء إلى النقل العام، عبر سيارات الأجرة والنقل، بسبب فوضى التعرفة وغلائها.

وفي رأي مدير عام النقل البري والبحري في لبنان أحمد تامر، فإن سائقي النقل العام غير قادرين على الالتزام بالتعرفة الرسمية لنقل الأفراد (6 آلاف ليرة)، لأنها لا تغطي الكلفة الباهظة لتعبئة خزاناتهم بالوقود.

ويرى تامر أن تحرير سعر المحروقات كشف عن خلل التوازن بين كلفة النقل وقدرة المواطن على دفعها بعد تآكل قيمة الرواتب، وقال الجزيرة نت إن السلطات تعمل على عقد اجتماعات مع النقابيين لإيجاد صيغة دعم النقل العام.

أين خطة النقل العام؟

ويشتهر لبنان بضخامة عدد السيارات الخاصة التي يضمها مقارنة مع مساحته الصغيرة وعدد سكانه، ومعظم الأسر تقتني سيارتين أو أكثر.

ويربط البعض الظاهرة بالثقافة الاستهلاكية، ويبررها آخرون بعدم تنظيم وتحديث وسائل النقل العام، فلجأ اللبنانيون لشراء السيارات، ولو تطلب استدانة مبالغ كبيرة من المصارف.

لكن الأزمة جعلت السيارات الخاصة عبئا وليست حلا، وفق ما يراه الباحث والخبير في مجال النقل العام رامي سمعان.

وفي عام 2019، أقر البرلمان قانون الموافقة على قرض البنك الدولي بقيمة 295 مليون دولار، لتمويل خطة “النقل العام في بيروت الكبرى” (BRT)، وتعتمد على الحافلات السريعة للتخفيف من الازدحام؛ وتقرر مؤخرا استخدام القرض لتمويل “البطاقة التمويلية” لدعم الفقراء بمعدل 126 دولارا للأسرة.

ويذكر سمعان أن لبنان على مدار 30 عاما أهدر ملايين الدولارات على خطط النقل العام من دون الاستفادة منها.

وقال للجزيرة نت إن أزمة المحروقات كشفت عن مخاطر الهروب المتعمد من خطط النقل، وشكلت صفعة للنظام الاستهلاكي، “لأن طريقة استهلاكنا غير منسجمة مع قدراتنا وإنتاجنا شبه المعدوم”.

ويوجد في لبنان نحو 380 مركبة خاصة لكل ألف مواطن، وهي نسبة مرتفعة لدولة نامية ومنهارة، في حين أعلى نسبة في البلدان المتطورة تكون 500 مركبة لكل ألف فرد، وفق المهندس.

وفي الثمانينيات، أنجزت السلطات دراسة لتأهيل البنية التحتية تحضيرا لمرحلة السلم بعد الحرب الأهلية، ومن مقوماتها بناء قوي وفعال للنقل المشترك، وترجمتها في خطة عام 1994 -حسب سمعان- وأطلق عليها اسم “خطة النقل الحضري” انطلاقا من 4 مقومات:

  • أولا- تطوير شبكة الطرق عبر ممرات علوية وسفلية.
  • ثانيا- تركيب إشارات ضوئية وغرفة تحكم لتحسين خدمة الشبكة.
  • ثالثا- خطة شاملة للنقل المشترك تتضمن حافلات و”ترامواي”.
  • رابعا- إعادة ترتيب وتنظيم مرآب السيارات.

وحسب اطلاع سمعان على تفاصيل المشروع، فإنه قال للجزيرة نت إن السلطات مارست الضغط لتحقيق البند الأول، وإن بعشوائية فاضحة، نظرا لارتباطها الوثيق بمتعهدي الأشغال، وحسنت المآرب بشكل محدود، على حساب الأرصفة والمشاة.

أما ملف النقل العام، فـ”بقي مؤجلا لدى الحكومات المتعاقبة، لأسباب مبهمة”.

ويشير سمعان إلى أن لبنان يتكبد خسائر طائلة بسبب غياب خطة النقل المشترك تناهز 20% من الناتج القومي سنويا، نظرا لعوامل عدة؛ كهدر الوقت على الطرق، وعدم تكافؤ الفرص بين المناطق بسبب مصاعب التنقل؛ وهشاشة السلامة المرورية؛ وترهل مجال المدينة المكتظة بالسيارات على حساب استقطابها الحضري والسياحي؛ وفوضى التنقل التي تبعها تضاعف الكلفة البيئية والصحية نتيجة التلوث.

ويدعو سمعان لخلق شبكة نقل مدعومة، كحال بلدان العالم، وضرورة التفاوض مع مشغلي قطاع النقل داخل المدن تحديدا.

ولأن النقل جزء من عملية الإنتاج -حسب سمعان- فإنه كلما تضخمت كلفته انعكس سلبا؛ “إذ يجب ألا يشكل أكثر من 25% منها، وفي لبنان صارت تتجاوز 70%، أي أننا أمام عقم اقتصادي كبير”.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *