مقالات

جماعة بوتين من حميدتي إلى ترامب

من المفارقات أن العقوبات الأميركية على جماعة بوتين لم تطارد مناضلين في الأدغال، ولم تخصّص ملايين لرأس جيفارا، بل طاردت مليارات في البنوك، وصادرت يخوتا هي الأغلى في العالم. لم نجد مناضلين يتطوّعون للحرب في صفّ بوتين، كما حصل في الحرب الأهلية الإسبانية التي تجنّد لها اليسار العالمي. على العكس؛ اصطفّ “المجاهدون الأوكران” مع الغرب والإدارة الأميركية. وفي المقابل، استأجرت شركة فاغنر مرتزقةً من أنصار بشار الأسد، بحسب ما نقلته “وول ستريت جورنال” عن الاستخبارات الأميركية.

لا نجد بلدا ديمقراطيا واحدا يقف مع بوتين. عالميا، يجد الصين حليفه الأول، وثمّة من يرى أنه يخوض حربها بالوكالة مع الولايات المتحدة، وقد يوسّع نطاق حربه إلى قلب أوروبا من خلال صربيا، وافتعال حرب في البوسنة. في قلب أميركا، نجد اليمين المتطرّف مؤيدا له، والأحزاب اليمينية المتطرّفة في أوروبا كذلك. وخلافا للمتوقع من الهند التي يُفترض أنها في حرب باردة مع الصين، الداعمة لعدوتها التاريخية باكستان، وقفت مع بوتين، عداءً للديمقراطية والقيم الليبرالية. وهذا لم يكن ردة فعل غريزية، بقدر ما كان اختراقا منهجيا منظّما للديمقراطية الغربية.

بحسب تقرير “فريدم هاوس” لعام 2022، تراجعت الحرية على مدى 16 عاما على التوالي، وهذا بفضل صعود روسيا والصين والقوى الشعبوية المعادية للديمقراطية في الديمقراطيات العريقة، كأميركا والهند.

عربيا، تبدو الصورة أوضح، ليس في بشار الأسد ومرتزقته الذين يصحّحون التاريخ، نجد في قلب المساندين عسكر السودان الذين انقلبوا على الديمقراطية. وكبيرهم حمدان دقلو (حميدتي) الذي ارتكب المجزرة أمام القيادة العامة في الخرطوم، وقبلها تورّط في مجازر دارفور، بحسب “الديلي تيلغراف” فتح مناجم الذهب لحليفه بوتين، تاركا الشعب السوداني في الفقر والجوع، وذلك في تحقيق الصحيفة البريطانية بعنوان “كيف استعدّ بوتين للعقوبات بأطنان الذهب الأفريقي؟”. وحميدتي معروف بعلاقاته مع الإمارات وإسرائيل، سافر إلى موسكو بينما كانت القوات الروسية تتدفق عبر الحدود إلى أوكرانيا، في علامة أخرى على تعزيز العلاقات بين البلدين.

‎يقول خبراء إن مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة، يديرها المرتبط بالكرملين، يفغيني بريغوزين، تدرّب قوات الدعم السريع السودانية التابعة لحميدتي. عملت الجماعتان المسلحتان بشدة معًا لتأمين مناجم ذهب مهمة لشركات التعدين الروسية في السودان، حيث الأمن ضعيف في المناطق النائية. وتكشف الصحيفة أن روسيا هرّبت مئات الأطنان من الذهب غير المشروع من السودان على مدى السنوات القليلة الماضية، في سياق جهود أوسع لبناء “حصن لروسيا” ودرء العقوبات المتوقعة المتعلقة بأوكرانيا. وضاعف الكرملين أكثر من أربعة أضعاف كمية الذهب الموجودة في البنك المركزي الروسي منذ عام 2010، ما أوجد “صندوق حرب” من خلال مزيج من الواردات الأجنبية واحتياطيات الذهب المحلية الهائلة، كثالث أكبر منتج للمعدن الثمين في العالم. ‎ويُعتقد أنه حوالي 30 طناً يجري نقلها إلى روسيا من السودان سنويا، على الرغم من أنه من المستحيل قياس الحجم الحقيقي للعملية، غير أن ما يمكن قياسه هو الأداء السياسي لعسكر السودان، المنحاز لموسكو، والذي ظهر في تصويت الأمم المتحدة.

المستغرب موقف الإمارات والسعودية، وهو وإن حافظ على التحالف مع الولايات المتحدة، إلا أنه ظلّ قريبا من بوتين، وقد تجلى ذلك في خلاف المجموعة الخليجية في الأمم المتحدة الذي أخر بيانها المشترك. والأهم ما كشفته “وول ستريت جورنال” عن رفض وليي عهد السعودية وأبوظبي تلقي اتصال بايدن لكسب موقفهما ضد روسيا.

وصف المفكر الأميركي من أصل ياباني، فوكوياما الذي بشّر قبل ثلاثة عقود بنهاية التاريخ وانتصار الديمقراطية والقيم الليبرالية، حرب بوتين، في مقاله في “فايننشال تايمز”، بأنها “حرب بوتين على النظام الليبرالي”، موضحا أن شبكة حلفاء بوتين لا يجمعها الكثير، غير “كراهية الديمقراطية والحفاظ على سلطتهم الاستبدادية”. في قلب هذه الشبكة توجد روسيا بوتين التي قدّمت، بحسب فوكوياما، “الأسلحة والمستشارين والدعم العسكري والاستخباراتي لأي نظام تقريبًا، بغض النظر عن مدى فظاعته، يعارض الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. وتمتد هذه الشبكة إلى قلب الديمقراطيات الليبرالية نفسها. يعبّر الشعبويون اليمينيون عن إعجابهم ببوتين، بداية من الرئيس الأميركي السابق، ترامب، الذي وصف بوتين بأنه “عبقري” و”ذكي للغاية” بعد غزوه أوكرانيا. الشعبويون، بمن فيهم مارين لوبان وإريك زيمور في فرنسا والإيطالي ماتيو سالفيني، وكذلك البرازيلي جاير بولسونارو وزعماء حزب البديل من أجل ألمانيا وفيكتور أوربان في المجر، أظهروا تعاطفهم مع بوتين، القائد “القوي” الذي “يعمل بشكل حاسم للدفاع عن القيم التقليدية من دون اعتبار للأمور التافهة مثل القوانين والدساتير”.

المربك في شبكة التحالفات، إيران التي قد تكون أقرب إلى أميركا في حال وقعت الاتفاق النووي وإسرائيل الأقرب إلى بوتين، وكلتاهما معاديتان للديمقراطية.

دلالات

هل تريد التعليق؟