مقالات

حدود ما شهدته الرمثا

لا يمر عام دون أن تشهد تقارير منظمات حقوق الإنسان وفاة سجين أو أكثر، إما نتيجة للتعذيب وسوء المعاملة أو نقص في الرعاية الصحية أو الانتحار أو الإهمال

لا يمر عام دون أن تشهد تقارير منظمات حقوق الإنسان وفاة سجين أو أكثر، إما نتيجة للتعذيب وسوء المعاملة أو نقص في الرعاية الصحية أو الانتحار أو الإهمال. وبمعزل عن السبب تتحمل الجهة التي يخضع السجين لولايتها المسؤولية سواء كان خطأ متعمدا أم تقصيرا. فالسجين سواء كان متهما لم تثبت إدانته أو مجرما مدانا هو الطرف الأضعف الذي من واجب الدولة رعايته وحمايته وإصلاح أحواله.
وعلى ما تشهده السجون الأردنية من تجاوزات تظل وفق المعايير الدولية في مرحلة وسط، لا ترقى إلى المعايير الدولية في حقوق الإنسان ولا تنحدر إلى مستوى الفظاعات في السجون السورية على سبيل المثال التي لا يعرف مصير الآلاف المؤلفة ممن دخلوها، ومنهم أكثر من مئتي أردني.
      وقد ظلت الأخطاء التي يقع فيها الجهاز الأمني عامل توتير حتى قبل الربيع العربي واعتماد الشارع أداة للتعبير عن الغضب والاحتجاج، شهدت معان قبل عقد  مواجهات ساخنة لدى مقتل حدث لدى الشرطة، والعام الماضي شهد حي الطفايلة احتجاجات لمقتل شاب، والأيام الماضية في الرمثا لم تكن استثناء إلا في توقيتها.
ففي الربيع العربي لم تعد انتهاكات حقوق الإنسان تمر بسهولة، وحسنا فعلت الحكومة عندما التزمت بالتحقيق المستقل وإعادة تشريح الجثة. وسواء صدقت اتهامات الأهالي أو رواية الجهات الرسمية فإن تقصيرا حدث في مجمل الأحوال. فلو تأكد انتحار سجين فإن ذلك يستدعي معرفة الظروف التي دفعته للانتحار، وهل كان ثمة تقصير في التعامل معه أم لا.
الأردن من الدول العربية القليلة الموقعة على الاتفاقية الدولية التي تحظر التعذيب والممارسات الحاطة من الكرامة الإنسانية. والدستور قاطع في نصه على حرمة الناس وكرامتهم. وهذا لا ينطبق فقط على المواطن الأردني بل ينطبق على كل إنسان على الأرض الأردنية سواء كان عاملا فليبينيا أم مستخدمة سيرلانكية.
صحيح أن الغضب أخذ منحى بعيدا، لكن هذا يحدث في أعرق الديمقراطيات، في أميركا أحرقت لوس أنجلوس عندما نشرت صور تعذيب الشرطة لأميركي من أصول أفريقية. إن ما حصل في الرمثا يقع في صلب عملية الإصلاح، فالإصلاح ليس فقط انتخابات وحوارات وقوانين بل احترام حقوق الإنسان.
لا خوف على الأردن مما يجري في سورية، وأهل الرمثا يعرفون أكثر من غيرهم أن لا مقارنة بين انتهاكات حقوق الإنسان المحدودة وغير المنهجية وبين الإجرام المنهجي الذي مارسه ويمارسه النظام السوري ، فكل انتهاكات السجون منذ عقد لا تعادل انتهاكاتها ما يجري في جمعة من الجمع السورية الدامية، وليس آخرها جمعة طرد السفراء.
ما جرى في الرمثا يجب أن يوضع بحدوده وحجمه بدون تهوين أو تصغير، فمن قتل نفسا “فكأنما قتل الناس جميعا”، ولا بد من تحقيق مستقل شفاف تعقبه محاسبة كل من أخطأ أو قصر، ومثل هذا التحقيق هو ما يضع حدا للتجاوزات، وبدون ذلك فليس كل مرة تسلم الجرة.

About the author

ياسر أبو هلالة

Leave a Comment