مقالات

خدمة العلم ليست كابوسا

لا يمكن وصف سنتي خدمة العلم سابقا إلا بكابوس كان يطارد الشاب منذ بلوغه الثامنة عشرة من العمر. كان همّا لا بد أن ينقضي. فالشاب سواء كان واعدا أم محبطا تذهب سنتان من عمره على غير فائدة. ما تهدف إليه خدمة العلم ممكن تحقيقه في الأشهر الثلاثة وفق الصيغة الجديدة.

التدريب العسكري هو الهدف الأول، ومن الممكن أن تتم تدريبات المشاة وأسلحتهم في غضون شهر، وفي الشهرين المتبقيين يمكن إدراج المجندين في برامج ثقافة وطنية ومهارات تدريبية وعملية. ليجد المجند نفسه بعد الدورة أكثر انتماء وقدرة على دخول سوق العمل.

لا داعي للتورط في حكاية “مصنع الرجال” فلا يمكن صناعة رجل في هذه الفترة القياسية. لن يخرج المجندون مثل علب السردين متشابهين موحدين في المظهر والجوهر. سيزيد منسوب الرجولة عند من هو رجل وستقل نسبة الميوعة عند المائع. الأنظمة الشمولية القاسية مثل الماوية في الصين فشلت في تصنيع الرجال مع أنهم كانوا ينتزعون الطفل من أسرته ليصنع على عين الحزب في مراكز تدريب وتثقيف وتأهيل تقدس الحزب والدولة وتحتقر ما دونهما ولو كان الأب والأم.

يتيح التدريب العسكري للشاب فرصة لممارسة قيم العدالة والمساواة على قاعدة المواطنة. سيكتشف المجندون عندما يتجمدون من البرد أن منهم من لا يجد ما يقيه من البرد غير التحاف الفروة بعد أن رفعت الدولة سعر المحروقات، في المقابل سيجد من لم يسمع أن المحروقات ارتفعت. لن تتحقق المساواة بين الاثنين لكنهما سيقتربان من بعض أكثر وسيكتشفان مساحة مشتركة تجمعهم بشرا يعيشون على نفس الأرض.

سيكون في المعسكر من لم يسمع بمعركة مؤتة، تماما كما سيكون فيه من لا يملك بريدا إلكترونيا (جميعهم يملكون هاتفا خلويا!). الأمي علميا سيتعرف على وجود الكمبيوتر ودوره في الحياة، والأمي ثقافيا سيتعرف على تاريخ بلاده.

ليس سهلا إعداد كوادر تدريب لاستيعاب أعداد ضخمة من المجندين، والأصعب قد يكون الكلفة المالية، فحتى الآن لا نعرف كم ستكلف إعادة خدمة العلم لمدة ثلاثة اشهر بصورة مباشرة وغير مباشرة. الأسهل أن نعرف كلفة الملبس والمأكل والمأوى والمدرب والعتاد، الصعب هل سيكون تعطيل إنتاجية ذوي المهارات العالية مدة ثلاثة اشهر مجديا اقتصاديا؟

من المفروض أن تتحسب الدولة لذلك. فمثلا طبيب مختص يستقبل في اليوم عشرات المراجعين هل أعطله شهورا ثلاثة؟ ربما تخفض العسكرية لأمثاله إلى أسبوعين أو شهر، ويمضي باقي خدمته في مستشفى عسكري أو حكومي. 

أهم ما في الخدمة هو الصَّهر الاجتماعي، والمحظور أن يتدرب أبناء الكرك في الكرك وأبناء عمان في عمان، لا بد أن يتدرب ابن عمان في معان وابن معان في إربد وهكذا، وإلا كرست الخدمة القطيعة الاجتماعية. خيمة التدريب يفترض أن تكون نموذجا للوحدة الوطنية، لا أن ينزوي كل أبناء حي إلى بعضهم.

ربما تكون النتائج عكسية ويكتشف المجندون في فترة التدريب فروقات بينهم ما كانوا يلمسونها في حياتهم العادية. فالبشر هم أكثر مخلوقات الله تعقيدا، وسيكون التعامل مع المجندين الجدد مهمة بالغة الصعوبة. فللمرة الأولى ستلتحق المرأة بـ”مصانع الرجال”.

هل تريد التعليق؟