مقالات

عندما يصنع النفط إعلاما

صناعة الإعلام مكلفة، ولذا تقف وراءها دول غنية، أو شركات كبرى. ويستطيع الباحث، بسهولة، رصد وتحليل المنتج الإعلامي ليعرف أين يقف الممول.
فالإعلام الإيراني، ومنه الناطق بالعربية والإنجليزية، يقف في الصراع العربي-الإسرائيلي مع المقاومة الفلسطينية؛ في إنتاجه الإخباري والوثائقي والدرامي يمكن رصد ذلك. وفي هذا الموقف لا يعتمد هذا الإعلام على الأكاذيب؛ فلا يبث أخبارا عن اغتصاب الجنود الإسرائيليين للسجينات الفلسطينيات، ويكفيه أن يسرد الحقائق التاريخية والراهنة لكشف بشاعة الاحتلال.
بعد الثورة السورية، وبسبب السقوط الأخلاقي في الوقوف مع دكتاتور مثل بشار الأسد، اضطر الإعلام الإيراني لصناعة الكذب، وأبدع فيها. تكفيه كذبة جهاد المناكحة التي غدت مفردة متداولة في سوق السياسة العربية، وانتقلت من ميادين القتال في سورية إلى ميداني “رابعة العدوية” و”النهضة” في مصر.
والكذبة رصدها تفصيلا موقع “الجمهور” الإلكتروني. فهي نُشرت في تقارير مفبركة بثت على إحدى القنوات، واعتمدت على صور الشيشانيات الاستشهاديات. كما نُسبت فتوى للشيخ محمد العريفي خلاصتها أن تقوم المرأة بالزنا ترفيها عن المجاهدين. ولكشف الكذبة، يمكن الرجوع إلى الحساب الرسمي للشيخ العريفي الذي يعتبر أكثر موقع متابع عربيا على “تويتر”، بما يزيد على خمسة ملايين متابع. ولا يوجد أي مرجع فقهي، قديم أو حديث، وفي أي مذهب، فيه كلمة “جهاد المناكحة”، فما هي إلا نتاج هوس جنسي مرضي.
أول من أمس، شارك الباحث حسن أبو هنية في حلقة  تلفزيونية، على ذات القناة، عن مشاركة “القاعدة” في القتال في سورية، وهذه حقيقة ماثلة. لكن القناة استخدمت ظهور باحث جاد لتمرير أكاذيب عن عدد القتلى العرب، بحيث يبدو أن الشعب السوري لم يقم بثورة، وإنما هي عصابات تكفيرية قادمة من وراء الحدود. وتنسب الفضائية إلى المرصد السوري لحقوق الإنسان نقله عن إحصائية صادرة عن وكالة “بينتابوليس” الأميركية للإحصاءات، كشفت عن تزايد أعداد القتلى العرب في سورية؛ وتونس تتصدر هذه اللائحة التي ضمت معظم البلدان العربية.
ما لا يقل عن 130 ألف مقاتلٍ غير سوري يقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة ضد الجيش السوري؛ الأرقام نقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وكالة “بينتابوليس”.
من 49 بلداً، ومن قارات العالم أجمع، جاء المسلحون إلى الأراضي السورية؛ معظمهم ينضمون إلى كتائب ذات طابعٍ جهادي. الإحصائية التي نُشرت مؤخراً كشفت أرقام القتلى العرب في صفوف هؤلاء المسلحين بدون ذكر أرقام القتلى الأجانب. الكذبة تمرر عدد المقاتلين ثم عدد القتلى الذي يزيد على العشرة آلاف.
حسنا. في بحث مضن تبين أن المرصد السوري لا أثر فيه للإحصائية، والبحث المضني أكثر لم يؤد إلى العثور على وكالة “بينتابولس” الأميركية. اتصلت مع الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، لأسأله عن الوكالة الأميركية، فقال لي: لا تتعب نفسك، لا وجود للوكالة!
للأسف، لو تعامل الإعلام الإيراني مع الثورة السورية كما تعامل مع العدو الصهيوني، لكنا بخير. توجد مآخذ جوهرية على الثورة السورية، وهي حقيقية يمكن رصدها بدون صناعة الأكاذيب. لكن تلك المآخذ، سواء كانت حقيقية أم أكاذيب، لا تغير من حقيقة أن النظام سفاح، والشعب السوري ضحية. كما أن ما يجري منذ أكثر من عامين هو أشجع ثورة عرفها التاريخ البشري.

هل تريد التعليق؟