مقالات

في وداع محمد عبدالرحمن خليفة

لمشاركة الرسمية والشعبية في تشييع الراحل محمد عبدالرحمن خليفة، عبرت عن اعتراف بما جسده الرجل من تاريخ وأفكار ومواقف، فهو لم يكن فقيد عشيرة النسور

المشاركة الرسمية والشعبية في تشييع الراحل محمد عبدالرحمن خليفة، عبرت عن اعتراف بما جسده الرجل من تاريخ وأفكار ومواقف، فهو لم يكن فقيد عشيرة النسور، ولا مدينة السلط ولا الأردن وفلسطين كان فقيد أمة الإسلام التي نذر لها نفسه. فخلال نصف قرن قاد الحركة الإسلامية في الأردن مراقبا عاما، وشغل موقع نائب المرشد العام للإخوان المسلمين في التنظيم العالمي وكانت له بصماته ومشاركاته في قضايا العرب والمسلمين على امتداد العالم.

في شبابه دخل سجن الجفر الصحراوي كما دخل مجلس النواب، وفي شيخوخته كان يقود الحركة التي تضم القطاع الأوسع من الشباب. لم يدخل الوزارة لكن رؤساء حكومات كانوا يخطبون وده. كلمات منه كانت كافية لإسقاط حكومة في مجلس النواب الحادي عشر إذ كانت الحركة الإسلامية تتحكم في أكثريته. تعامل على مستوى الأمة ولم يكن لينحسر إلى مستوى بلد أو عشيرة، وربما كان كثيرون يجهلون من أي عشيرة أو بلدة هو.

في مجلة الجهاد كتب عبدالله عزام رحمه الله مثنيا على شخصية أبي ماجد القيادية، قال إنه كان يردد المأثور “لا تذكروا إخواني أمامي إلا بخير فإني أحب أن أخرج إليهم سليم الصدر”. كان عزام نموذجا للجيل الجهادي من الحركة الإسلامية، وفي الحركة الإسلامية كان متسع لعبدالله عزام وغيره للعمل المسلح عندما كان منضبطا. حملوا السلاح عندما كان موجها ضد إسرائيل وألقوه عندما توجه ضد الشقيق. ولم يفرقوا بين محتل إسرائيلي لفلسطين ومحتل سوفييتي لأفغانستان. وكان خليفة المحرض على المشاركة السياسية والانتخابات ذاته المحرض على القتال وداعما للمقاتلين سواء في فلسطين أم الجزائر أم أفغانستان أم كشمير.

في شخصه تجد تنوع الحركة الإسلامية إلى درجة توهمك بتناقضها، من حركة مسالمة تشارك في الانتخابات والحكومات إلى حركة تواجه وتصادم الحكومات إلى تنظيم عسكري يقاتل في فلسطين وأفغانستان.

فالرجل الذي ووري الثرى انعقدت له بيعة قادة حماس من أحمد ياسين إلى خالد مشعل وإسماعيل هنية، فالإخوان في الأردن وفلسطين ظلوا تنظيما واحدا حتى العام 1987، والرجل الذي كان تحت لوائه أشخاص شغلوا من بعد أرفع المواقع الرسمية من رؤساء حكومات إلى مدراء مخابرات. قضى عبدالله عزام أول الأفغان العرب وشيخ أسامة بن لادن وفي عنقه لأبي ماجد بيعة.

كان وصول خليفة لقيادة الجماعة بعد مؤسسها الحاج عبداللطيف أبو قورة تعبيرا عن تغيير سلمي في جيل القيادة لصالح الشبيبة. ومغادرته قيادة الحركة كانت تعبيرا عن حركية الجماعة وديناميكيتها في إطار مؤسسي سلمي. كان انتخاب المراقب العام السابق عبدالمجيد ذنيبات مفاجأة للأوساط السياسية التي تعاملت مع أبي ماجد زهاء نصف قرن خالت أنه لا ينتقل من قيادة الجماعة إلا إلى قبره.

زرناه في بيته عقب اختيار الذنيبات، فعادت به الذاكرة إلى اليوم الذي جاءه الإخوان يطالبونه بتولي القيادة بديلا للحاج أبو قورة، وكان معتزا بما قدمته الجماعة مطمئنا إلى مستقبلها في ظل القيادة الجديدة. يومها كانت المقارنة مغرية بينه وبين قادة الأحزاب التي ترفع شعارات الديمقراطية وكان الشقاق والصراع رديفا لمغادرتهم مواقعهم. لم يكن تاريخ أبو ماجد وتاريخ الإخوان تاريخ ملائكة كان فيه أخطاء وعثرات ولكنه بالمجمل تاريخ مشرف لن ينسى.

ودع الأردنيون أمس، بما يليق، قائدا كان له دور مهم في تاريخهم وتاريخ منطقتهم وبعض الوفاء للراحلين من أمثاله هو توثيق ما قدموا للأجيال الناشئة.

About the author

ياسر أبو هلالة

Leave a Comment