أخبار

ماذا حمل وزير الخارجية الاسرائيلي في حقيبته إلى الخرطوم؟

النور أحمد النور3/2/2023

الخرطوم- فاجأ وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين السودانيين أمس الخميس عندما هبطت طائرته في الخرطوم في زيارة غير معلنة، وسط انقسام في المشهد السياسي بشأن حل الأزمة السياسية في البلاد وتنافس برز إلى السطح بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” بعدما كان مكتوما، وأوضاع أمنية معقدة في مثلث الحدود السودانية التشادية الأفرو أوسطية.

يعتبر كوهين مهندس العلاقات بين إسرائيل والسودان منذ أن كان وزيرا للاستخبارات، فقد وصل الخرطوم في زيارة مماثلة في يناير/كانون الثاني 2021، ووقع مذكرة تفاهم مع وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم شملت مجالات التعاون في مجالات مختلفة.

ورافق الوزير الإسرائيلي في زيارته الجديدة وفد ضم المدير العام لوزارة الخارجية رونان ليفي ونائب مسؤول أفريقيا في وزارة الخارجية شارون بارلي وممثل وكالة المعونة الوطنية الإسرائيلية عينات شالين والمستشار القانوني في وزارة الخارجية تال بيكر، إضافة إلى ضباط كبار في جهاز الموساد والاستخبارات العسكرية.

وحسب المعلومات التي حصلت عليها الجزيرة نت، عقد الضيف الإسرائيلي جلستي مباحثات في مقر قيادة الجيش مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بحضور وزير الخارجية السوداني علي الصادق، وجرى الاتفاق على الاستمرار في خطوات التطبيع بين الجانبين، وتوقيع السودان على اتفاقات أبراهام بعد تشكيل الحكومة المدنية التي ستتسلم السلطة عبر العملية السياسية الجارية حاليا.

كما جرى الاتفاق -وفق المعلومات- على تحويل مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين قبل عامين إلى اتفاق قابل للتنفيذ في مجالات التعاون في الطاقة والزراعة والمياه والصحة والتعليم “حتى يشعر الشعب السوداني أن هناك مصالح حقيقية يمكن أن تتحقق عبر التطبيع بين الطرفين”.

وحسب المصادر ذاتها، فقد أبدى كوهين قلقه من الجمود في علاقات البلدين خلال العامين السابقين بعد زيارته الأخيرة وتوقيع السودان اتفاقات أبراهام مع الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2021، وأقر الطرفان بأن الأوضاع الداخلية في الدولتين ساهمت في ذلك، وينبغي تسريع التطبيع عبر خطوات ملموسة.

وفي الجلسة الثانية انضم إلى المباحثات من الجانب السوداني وزير الدفاع ياسين إبراهيم والمدير العام لجهاز المخابرات أحمد إبراهيم مفضل ومدير الاستخبارات العسكرية أحمد علي صبير، وركز النقاش على التوسع في التعاون الأمني والعسكري، لمجابهة تحديات الطرفين وكيفية التعاطي مع التوتر في الحدود بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى ومراقبة الأوضاع في الساحل الأفريقي والبحر الأحمر.

أجندة البرهان

يبدو أن منهج البرهان بشأن التوجه نحو استخدام إسرائيل جسرا إلى واشنطن -كما يقول مراقبون- لم يتغير، فقد فاجأ الشعب السوداني وبعض شركائه في الحكم في فبراير/شباط 2020 عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية بترتيب من كوهين أيضا، واعتبرها محاولة لتطبيع علاقة بلاده مع المجتمع الدولي وإخراجها من العزلة الدولية وشطب اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وهو ما حدث لاحقا، إذ رهنت واشنطن الخطوة بالتطبيع مع تل أبيب.

وأتت زيارة كوهين أمس الخميس إلى الخرطوم هذه المرة بوساطة أميركية بعد اتصالات سرية مع البرهان خلال الأسابيع الماضية حسب مصادر سياسية قريبة من القصر الرئاسي، وذلك لضمان استمرار نفوذ الرجل الأول في البلاد ولعبه دورا محوريا في المشهد السياسي حتى لو غادر منصبه في مجلس السيادة وعودته إلى حضن الجيش كما نص الاتفاق الإطاري الذي وقعه مع تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وترى المصادر ذاتها التي تحدثت للجزيرة نت أن البرهان يريد تجاوز الضغوط الغربية عليه، خاصة الأوروبية المتحمسة للاتفاق الإطاري، حيث يدعم حميدتي الاتفاق وبات قريبا من تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، وينتظر أن يصل إلى الخرطوم الأسبوع المقبل مبعوثون أوروبيون لتسريع المرحلة النهائية من العملية السياسية.

في المقابل، اتجهت واشنطن إلى منحى آخر يدعو لتوسيع الاتفاق الإطاري ليشمل قوى أخرى حتى يكون أكثر شمولا، ومنحت الضوء الأخضر لمصر التي دعت كتلا سياسية سودانية مناهضة للاتفاق إلى ورشة للحوار في القاهرة بدأت أمس الخميس وتستمر 5 أيام، مما يؤدي إلى تكريس انقسام في المشهد السياسي يصب في مصلحة المكون العسكري ويمنحه اليد الطولى في إعادة هندسة الوضع السياسي واستمرار دوره في هرم السلطة حتى يحدث توافق بين القوى السياسية المتشرذمة، وفق مراقبين.

الاستقواء بالخارج

وفي الإطار ذاته، يعتقد الباحث السياسي الحسن عبد القادر أن القوى المدنية والمكون العسكري يستخدمان القوى الأجنبية لتقوية مواقفهما التفاوضية.

ويقول عبد القادر للجزيرة نت إن البرهان يسعى للتقرب إلى واشنطن عبر إسرائيل ويقدم نفسه باعتباره الشخصية القوية في الجيش القادرة على المحافظة على أمن واستقرار البلاد وضبط إيقاع الحياة السياسية خلال الفترة الانتقالية، في ظل تشظي القوى السياسية وفشلها في الاتفاق، مما منح البرهان فرصة لاستغلال تناقضاتها وإنهاكها.

ويضيف أن القوى المدنية التي كانت تقود الثورة -وهي تحالف قوى الحرية والتغيير- انقسمت على نفسها ولم تعد تملك زمام الشارع، وصارت تعتمد على رافعة خارجية دعمتها حتى وقعت على الاتفاق الإطاري وتستخدمها لتنفيذ أجندتها ورعاية مصالحها، وذلك عبر إعادتها إلى السلطة بعدما أزاحها البرهان منها قبل أكثر من عام بانقلاب على شراكتها مع المكون العسكري.

Israeli Foreign Minister Eli Cohen in Sudan
الجانبان السوداني والإسرائيلي اتفقا على الاستمرار بخطوات التطبيع وتوقيع السودان على اتفاقات أبراهام بعد تشكيل الحكومة المدنية (الأناضول)

زيارة علاقات عامة

وفي اتجاه آخر، يرى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الدكتور الحاج حمد أن زيارة كوهين لن تحدث جديدا في المشهد السياسي، واعتبرها “علاقات عامة”، وأن ثمة دعما دوليا للعملية السياسية عبر الاتفاق الإطاري الذي وقعه البرهان وحميدتي مع القوى المدنية في تحالف قوى الحرية والتغيير.

ويعتقد حمد في تصريح للجزيرة نت أن تكتيكات البرهان صارت مكشوفة في تعامله مع الأزمة السياسية وعدم قناعته بمغادرة المشهد والعودة للثكنات، وفق تعبيره

.المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *