مقالات

مجزرة ميدان النهضة عنوان الانقلاب

‏مصر تعيش أجواء الانقلاب العسكري، سواء استغرق إتمامه ساعات أم أياما. فقائد الجيش أعلن عصيانه لرئيس الجمهورية، وفي هذه الحال إما أن يعتقله رئيس الجمهورية بتهمة الانقلاب أو يَعتقل هو رئيس الجمهورية، أو أن تعيش البلاد شللا بسبب تنازع السلطة. وهذا الانقلاب لم يكن أبيض، فقد أريقت في ميدان النهضة أرواح 16 من أنصار الرئيس الشرعي وجرح أكثر من مئتين على يد بلطجية وزارة الداخلية وعلى مرأى من الجيش والأمن.
 ما هو أسوأ من المجزرة التي تهون أمامها موقعة الجمل، هو تواطؤ المعارضة المصرية معها. فلم نشهد استنكارا لها، وكأن القتلى حشرات لا قيمة لهم. لم يكن كل هؤلاء من الإخوان؛ شاهدت شابا ينزف وقد مزقت ملابسه ويرتدي سلسلة في رقبته تنفي عنه أي مظهر إسلامي. تابعت الفضائيات المصرية وغيرها، لم يكن مشهد مروع كهذا يستحق مجرد الذكر فضلا عن الاستنكار. لقد قرروا إغماض العين عن المجزرة وتقييدها ضد مجهول واعتبار الضحايا مجاهيل أيضا.
لم تكن المجزرة مفاجئة؛ هي في سياق عنفي إجرامي أخذ طابعا علنيا يحظى بغطاء سياسي. لم يسلم مقر من مقرات الإخوان، وأزهقت أرواح شيوخ وشباب. وسبقت المجزرة نداءات استغاثة بسبب وجود نساء وأطفال، لكن المجزرة تمت وانتهت بإشراف رسمي وبوجود الجيش والشرطة. مع ذلك ثبت المعتصمون وكان عددهم عقب المجزرة أضعاف أعداد المعتصمين أمام الاتحادية الذين يعتدون على قصر الرئيس دون أن يرموا بقنبلة غاز.
 ذلك كله نصف المشهد المظلل، الضوء والألوان المؤثرة باتجاه ميدان التحرير. حسنا، مهما بلغ عددهم فهم تعبير عن انقسام وليس عن إجماع. فالقوى المؤيدة لمرسي، وهي بالإساس إسلامية، بالارقام الانتخابية والمظاهرات هي ملايين تقابل ملايين. ولا يوجد رئيس في العالم يعبر عن إجماع إلا في الأنظمة الشمولية. حتى في ثورة 25 يناير كان قطاع مهم من الشعب المصري مع مبارك.
 لا شك أن الأفضل لمصر كان أن تأتي في البداية شخصية توافقية اعتبارية تمرر المرحلة الانتقالية والدستور، وتجرى بعدها الانتخابات بعد بناء التوافقات. لكن ما جرى جرى باتفاق كل القوى المعترضة اليوم. لم يقف أحد من قادة المعارضة اليوم ليقول من المبكر إجراء الانتخابات. لا يمكن إعادة إنتاج التاريخ، يمكن البناء عليه. مرسي مثل أي رئيس في العالم يعبرعن انقسام مجتمعي، وهو لم يقم خلال عام بتغيير هوية مصر، ففهم الإخوان للدين لا يختلف عن فهم الأزهر، ولم نشهد في مصر اعتداء على راقصات أو حشاشين أو منعا للسياحة والتمثيل، على العكس معدل إنتاج الدراما لرمضان هذا العام أضعاف معدله أيام مبارك نظرا لسقف الحرية. ولم نشهد إعداما لباسم يوسف، لكن شهدنا إعداما ميدانيا لشباب الإخوان على الهواء مباشرة.
 ليس جديدا على الإخوان بخاصة ولا الإسلاميين بعامة هذا الظلم، لقد قتل الملك فاروق مؤسس الجماعة حسن البنا في شوارع القاهرة، وأعدم عبدالناصر أبرز قادتهم، واعتقلهم السادات ومبارك وقدموا خيرة شبابهم شهداء في التحرير وفي النهضة، وأن يمارسوا دور الضحية أفضل من ممارسة دور الجلاد. ولذا وقف محمد مرسي في مشهد لم يعرفه العالم ليعلن احتساب روحه لله. لم يعد رئيسا عمليا؛ إما السجن أو القبر، وهذا المكان المناسب للإسلاميين على ما يرى خصومهم. لكن يرضى القتيل وليس يرضى القاتل.

هل تريد التعليق؟