مقالات

منهج خطير يمس الثوابت الفلسطينية!

“ليس لدي مشكلة مع الفكرة الصهيونية ومع الاعتقاد بأن اسرائيل هي بلاد التوراة. ولكن لديكم ما يكفي من التلال والمساحات الشاغرة. فلماذا لا تستوطنوها وتدعونا نعيش حياتنا”.

هذا آخر ما حرر من أقوال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ولا يكتفي بمقابلته مع صحيفة “هآرتس” بالتنازل عن الأرض وفق المنظور الصهيوني، وإنما يقدم تنازلا أخطر يتعلق بحق العودة، وقبل الدخول في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، قرر أنهم يعودون في دولته التي يعد بنيتها التحتية محذوفا منها الجغرافيا التوراتية واعتبارات اسرائيل الأمنية “نحن نعد البنية التحتية لاستيعاب اللاجئين. سيكون للفلسطينيين الحق في السكن داخل دولة فلسطين”.

تلك التصريحات الخطرة لم تثر اهتمام أحد، لا الإسرائيليين أخذوها جدا ولا العرب والفلسطينيين. وفي المقابلة يظهر ذكاؤه اللغوي في انتقاء ألفاظ يمكن تمريرها مع “بهارات” ثورية تخفف من التنازلات. ومن ذلك حديثه عن مظاهرات بلعين “من حق الأمة المقموعة أن تقول كفى”.

لم يمتلك فياض قوة سحرية سيطر فيها على الضفة الغربية، لكنه استطاع أن يوزع مداخيل السلطة بشكل ذكي، وتمكن من تحقيق نمط حياة أقل سوءا، مما هو عليه في غزة اليوم، ومما كانت عليه الضفة قبل تصريفه أعمالها.

وعلى رأي الزميل عريب الرنتاوي، فإن ذلك أحدث تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية (وربما ثقافية) في الضفة الغربية، حفرت عميقا في بنية أهلها ومواطنيها الأصليين (ربما الأمر مختلف بعض الشيء في أوساط لاجئيها)، وهي تحولات تجري على قدم وساق منذ أن أعادت إسرائيل احتلال الضفة في عملية السور الواقي، وتكرست وتسارعت بعد الانقسام الفلسطيني وتشكيل حكومة سلام فياض، ورفعها شعار: “دولة تحت الاحتلال لإنهاء الاحتلال”، وهو الشعار الذي لقي دعما وتشجيعا دوليين، وأدت ترجماته الأولى إلى تحريك عجلة الاقتصاد وتحفيز النمو، ما أثار وولد حالة من الاسترخاء يعيشها سكان الضفة بعد سنوات من الضنك والممارسات الاحتلالية المشددة.

وجنبا إلى جنب مع هذه التطورات والتحولات التي تستحق الدراسة بعمق، كان الخطاب (شبه الرسمي) الذي يجري بثه وبوسائل غير رسمية كذلك، يروّج لـ”أطروحة التخلي المتدرج”عن اللاجئين والشتات، من خلال القبول بعودة رمزية لهم إلى ديارهم الأصلية في سياقات التفاوض السابقة مع الإسرائيليين.

ليست المشكلة في مقابلة أو تصريح، وإنما في منهج خطير يمس ما كان يعرف بالثوابت الفلسطينية، التي يعني التخلي عنها التسليم بالنظرية الصهيونية، وهي تعني ضياع الشعب الفلسطيني بعد أن ضاعت الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *